أشجار المدن تجلب السعادة للناس...والعكس
هناك الكثير من الأدلة على أن تلميحات الطبيعة تساعد البشر الذين يعيشون في المناطق الحضرية. وأظهرت دراسة رئيسية قبل نحو خمس سنوات، وجود علاقة ارتباط مابين الذين يعيشون في المدن بجميع أنحاء العالم مع ارتفاع مستويات الاكتئاب والمشاكل الصحة العقلية الأخرى؛ وقد أظهرت سلسلة من الدراسات أن الناس الذين يرتادون المساحات الخضراء كالمتنزهات والحدائق عادة ماتكون سبباً فى مساعدتهم على التعامل مع ضغوط الحياة الحضرية.
مارك تايلور، باحث الصحة العامة في جامعة ترنافا في سلوفاكيا وزملاؤه، جمعوا البيانات على اثنين من المتغيرات هما : كثافة الأشجار في الشوارع وعدد من الوصفات الطبية المضادة للاكتئاب في 33 قسم إداري (حى) فى لندن. (ومتوسط مساحة الحى الواحد حوالي 20 ميلا مربعا، مع حوالي 250 ألف نسمة بكل منها) .ما وجدوه أنه، حتى بعد الأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى مثل البطالة والثراء، فإن المناطق التي بها أشجار منزرعة بطول الشوارع فإن استهلاك مضادات الاكتئاب بها يكون بكميات أقل مقارنة بالأحياء قليلة الأشجار.
لا نستطيع القول بأنه إذا زرع 20 شجرة إضافية في كل شارع، فإن الجميع سيكونون على ما يرام، ولن تكون هناك مشاكل فى الصحة العقلية.
ولكن هل الأشجار سعيدة بوجودها في المدينة؟ نطلب الكثير من الغابات الحضرية لدينا: وهي تعدل من حالتنا المزاجية، وتظلل الأرصفة والمباني ، وتمتص الكربون، وتمتص جذورها المياه الغزيرة بعد العواصف المطيرة والفيضانات. بالاضافة الى ذلك، عليها أن تعيش معنا، في هذه البيئات الغريبة التى أنشأناها، حيث تتنافس مع المباني للحصول على أشعة الشمس ومع الأسلاك والأنابيب والأنفاق تحت الأرض ومترو الانفاق للحصول على مساحة تتمدد جذورها فيها.
فى دراسة دكتوراه بعنوان "الأشجار والبشر" كانت تبحث في كيفية معيشة الأشجار والبشر جنبا إلى جنب وتأثير كل منهما على الأخر. أحد الأسئلة الرئيسية التى حاولت الإجابة عليها ، هو: كيف يمكن للناس أن تساعد أشجار الشوارع كى تزدهر، والعكس بالعكس؟ من نتائج تلك الأطروحة أن وجود الأشجار قد أدى إلى الترابط بين سكان الحى الواحد والتشارك فى حفلات الشواء.
فى دراسات سابقة حاول الباحثون تحديد أي المتغيرات التى تؤدى إلى نجاح نمو الشجرة. وقد تم ذلك فى الكثير من البحوث بمقارنة نمو الأشجار في المناطق الحضرية بأخرى نامية فى الصوب أو بمعنى أخر التركز فقط على بيئة الزراعة. ولكن أهتمت تلك الأطروحة بتأثير البشر في البيئية الفعلية، وهل سيكون لهم أثر على الأشجار أيضا. حتى أنها درست متغيرات متصلة بالأشجار ذاتها مثل النوع، والمشتل الذى أتت منه، (أى بيئة الأشجار) كذلك الفراغ الذى ستنمو فيه وظروف التربة (أى المجتمع) أيضاً (طبيعة مالكى الوحدات السكنية) وخبراتهم فى زراعة الأشجار وأخيراً (مساهمة الجهات المؤسسية) كالمحليات والجمعيات الهلية للمساعدة فى رعاية الأشجار مثل التقليم وحماية الشجرة من الصقيع مثلاً.
ما وجدوه هو أن هذه العوامل الأربعة ترتبط معاً لتحقيق النمو للشجرة والبقاء على قيد الحياة. وبعبارة أخرى، فإن جودة الأشجار لا تتأثر فقط بمحيطها المباشر، ولكن من قبل الناس الذين يتفاعلوا معها. على سبيل المثال نوع الشجرة المنزرعة لا يهم على الإطلاق، من أجل البقاء, ولكن المتغيرات المرتبطة بالمجتمع، مثل نسبة الناس الذين مروا على تلك الأشجار في غضون السنوات الخمس الماضية.
وجدت الدراسة أن استراتيجية الرى التى يطبقها المجتمع تحدث أيضا فرق. وعموماً، الأشجار التي تم ريها بشكل جماعى من قبل سكان المنطقة أو الحى كانت أفضل. كما أن استراتيجية الرى التى يحددها سكان المنطقة أدت لحوث أثار إيجابية عليهم أنفسهم. فالمجتمعات التي اختارت استراتيجية الري الجماعية ، خصوصاً هؤلاء الأفراد المنطويين على أنفسهم ولم يكونوا يشاركوا فى الحفلات الجماعية، أصبحوا بعد أن بدأوا فى رعاية الأشجار معا، بدأوا بعد ذلك فى تنظيم والمشاركة فى الفعاليات المجتمعية الأخرى الخاصة بهم في أكثر الأحيان.