top of page

الارتباط بالطبيعة يسرع من معدل التعافى


في عام 1984، صرح عالم النفس البيئي روجر أولريش باكتشاف مذهل. ففى أثناء دراسته لتعافى المرضى في المستشفيات بعد العمليات الجراحية، وجد أن العوامل التى تمثل فروقاً ذات دلالة إحصائية لمضاعفات ما بعد الجراحة هو سرعة التعافى، والحاجة إلى المسكنات. وكان السر المؤثر فى هذه العوامل هو المناظر الطبيعية التى يشاهدها المرضى من خلال نوافذهم. قسمت الدراسة المرضى إلى نصفين، أحد النصفين فى غرف تطل نوافذها على مناظر الطبيعة الجميلة. أما النصف الأخر من المرضى يقطن غرف بدون نوافذ. وكانت النتيجة مذهلة، حيث كانت مشاهد الطبيعة الجمالية لها أثر ملموس على صحة المرضى والرفاه. وهذه النتيجة بالتأكيد شغلت انتباه الاقتصاديين لأن المرضى قضوا وقتاً أقل، وتناولوا أدوية أقل، كما قلت مضاعفات العمليات الجراحية، وبالتالى قلت تكلفة إقامتهم في المستشفى.


شجعت دراسة أولريش على إجراء المزيد من الأبحاث في مجال يعرف باسم الارتباط بالطبيعة biophilia وهو يعنى التفضيل الغريزي لبعض تصامبم الهندسة الطبيعية، والأشكال، والخصائص داخل بيئتنا. مع مرور الوقت، أظهرت العديد من الدراسات أنه عند وجود خصائص البيئات الطبيعية، فإن البشر تميل إلى الشعور بالهدوء والراحة بدرجة أكثر ، ويصبحوا أقل توتراَ وبالتالى يؤدى إلى تحسن صحتهم.


معظمنا يدرك شعور القمع الذي يتولد نتيجة للتواجد فى غرفة بلا نوافذ وذات جدران كئيبة. نحن جميعا نستشعر فرحة الدخول إلى مكان مليئ بآشعة الشمس، وربما بعض النباتات الخضراء والماء. ونحن بالتأكيد نعلم بعض الأماكن الخاصة التي تجدد شبابنا، وتجعلنا نشعر بالشفاء من التوتر والقلق، بمجرد وجودنا فيها. ما تظهره هذه الدراسات أن الطبيعة تلعب دوراً أساسياً في رفاهيتنا، حتى لو لم نعى ذلك. فى الواقع، الطبيعة يمكنها أن تحسن صحتنا كما أن البديل عنها يمكن أن يضر بصحتنا.


الآثار المترتبة على ذلك يمكن أن تكون مزلزلة، فخيارات التصميم الجمالية ليست مجرد مسألة التعبير الفني للمصممين، لكى يستمتع أو لا يستمتع به المستخدمون. جنبا إلى جنب مع عوامل أخرى، فإن التصميم يمكن أن يحسن، أو يضر بصحة المستخدمين. وإذا كان هذا صحيحاً، فهذا يعني أن المصممين لديهم مستوى من المسؤولية للمحافظة على صحة المستخدمين التي ينمكن أن تكون أفضل بكثير مما هى عليه الآن. إذاً ما هي الآلية التي يمكن أن تفسر مثل هذا التأثير؟ أحد المؤيدين للارتباط مع الطبيعة biophilia، هو عالم الأحياء المشهور إدوار ويلسون، والذى افترض أننا كبشر قد قضىنا معظم تاريخنا التطوري في البيئات الطبيعية، ولقد تطورنا للتواجد فى بيئات صحية وممتعة.

علم الجمال، من خلال هذا المنظور الذي يتزايد قبوله من قبل العلماء، ليس عبارة عن بعض الخبرات العشوائية، ولكنه القدرة البيولوجية المتطورة للكشف عما يحتمل أن يكون جيداً وجميلاً بالنسبة لنا. وبالتالى هناك سبب منطقى لماذا الطماطم الناضجة، اللامعة مع قطرات الندى، تبدو جميلة لنا، ولماذا تبدو اللحوم الفاسدة قبيحة ومثير للاشمئزاز.


نحن يتم تشكيلنا بيولوجياً لبيئات معينة، والخصائص الجمالية لتلك الأماكن تميل إلى تعزيز صحتنا، عن طريق الحد من الإجهاد ، وفي حالة المساحات الخارجية، من خلال تشجيعنا بأن نكون أكثر نشاطا. وأظهرت عدد من الدراسات أن خصائص biophilic تميل إلى تشجيع المزيد من المشي والنشاط في الهواء الطلق. الفوائد الصحية من المشي في الريف هي جزء من ثقافة كل إنسان تقريبا، لذلك يجب أن يكون هناك شيء من خصائص الريف متوافراً لها.


هناك فوائد أخرى مثيرة للدهشة، على سبيل المثال، الباحث كوين ستيميرز وزملاؤه في جامعة كامبريدج وجدوا أن الغطاء النباتي يزيد من الراحة الحرارية thermal comfort. من حيث المبدأ، هذا يعني أن مجرد إضافة النباتات، من الممكن أن يرفع أو يخفض درجة الحرارة المناسبة لراحة الإنسان، كما تحد بشكل كبير من أحمال الطاقة الكهربائية، وهذا يمكن أن يعطي دفعة قوية لتصميم مبنى مستدام. هناك طريقة أخرى لفهم أهمية نظرية الارتباط بالطبيعة biophilia وهى أنها بمثابة نقل المعلومات البيئية الشاملة من خلال عملية عصبية. فقد تطور نظامنا العصبي لكى يستجيب للمؤثرات الخارجية مثل مجالات المعلومات الموجودة في البيئة الطبيعية. لذلك نحن نتوق بشكل غريزي للاتصال الفيزيائي والبيولوجي مع العالم، ونحن نفعل ذلك من خلال العمليات العقلية التي تطورت على مدى مئات الآلاف من السنين من الحياة في الطبيعة.


4 views0 comments
bottom of page