المدينة الخضراء هي مدينة صحية
المساحات الخضراء الحضرية لها تأثير إيجابي ملموس على الصحة البدنية والعقلية. المساحات الخضراء الحضرية عبارة عن الشوارع التى تصطف على جانبيها الأشجار وفي الممرات والحدائق الخاصة والساحات العامة التى توفر مكان لممارسة الرياضة البدنية، وهى العامل الرئيسي في مكافحة السمنة وأمراض القلب. تساعد الخضرة أيضا فى منع ضربة الشمس بالمناطق الحارة من خلال توفير الظل والتبريد وتحسين التهوية، والحد من حالات الربو عن طريق امتصاص الجسيمات الدقيقة المحمولة جوا.
لكن ربما الأهم من ذلك، أن المساحات الخضراء تساعد على تخفيف اضطرابات القلق (التوتر) والاكتئاب، والآلام المشتركة المرتبطة بالحياة الحضرية. التكلفة الاجتماعية من القلق والاكتئاب تعتبر كبيرة. ويشير أحد التقارير إلى أن الإجهاد في أماكن العمل يكلف أرباب العمل الامريكيين ما يقدر بـ 200 بليون دولار في السنة نتيجة التغيب عن العمل، وانخفاض الإنتاجية، وتعويضات العمال، والتأمين الطبي وغيرها من النفقات المرتبطة بالتوتر. وأشارت دراسة أخرى إلى أن ¾ نفقات الصحة بأمريكا ترتبط بالأمراض المزمنة، والإجهاد (مرجع).
من وجهة نظر الصحة العامة هناك ما يدعو للاستثمار في المناطق الحضرية الأكثر اخضراراً، خصوصا عندما يمكن لمثل هذه المساحات الخضراء القيام بمهام البنية التحتية الحيوية المتعلقة، مثلا، بإدارة مياه الأمطار والحفاظ على الطاقة.
ولكن هناك ما هو أكثر من الفوائد الصحية للمساحات الخضراء من تخفيف القلق والاكتئاب، الا وهو البعد الروحي للمناظر الطبيعية. وحتى الآن ثبت أن التواجد فى المناطق الطبيعية يثير ردود فعل مرتفعة يمكن أن تؤثر إيجابياً على رفاهيتنا. وقد تم توثيق ذلك بشكل جيد، على سبيل المثال، المرضى في المستشفيات الذين يمكنهم رؤية مساحات الخضرة من واجهاتها، يتعافون بسرعة أكبر من أولئك الذين لا يفعلون ذلك. هناك إمكانية الشفاء الكامنة في تصميم أي منظر طبيعي، الأمر الذي تؤكده تأثيرات التواصل مع الطبيعة biophylic فى حدائق الاستشفاء (مرجع).
السعي إلى الطبيعة والتجدد هو منفعة لا حدود لها، وكيف يمكن للروح البشرية ألا تسمو من قبل هذه الطاقة الطبيعية عندما تكون صحتنا على المحك؟ ولكن لماذا الانتظار حتى تنشأ أزمة صحية؟ الأماكن التي نعيش ونعمل فيها ينبغي أن تحفز اللياقة البدنية، وتخفف من الإجهاد، مثل توفير رؤية مناظر خضراء من خلال النوافذ بأكبر مساحة ممكنة (مرجع).
المدن، مثل المناطق الطبيعية البكر، تتوزع إلى كيانات منظمة. فعلى مستوى الإقليم أو المدينة هناك شبكات من المساحات المفتوحة التي تلبي احتياجات واسعة النطاق، مثل الوقاية من الفيضانات والنقل والترفيه. وعلى مستوى التجمع السكنى أو الحى، هناك الشوارع والميادين والحدائق العامة التي توفر التحرك النشط، واللعب المنظم والمشاركة الاجتماعية. وأخيراً على المستوى السكنى، مثل منزل Friedensrech Hundertwasser السكنى في فيينا (كما فى الصورة)، هناك تجهيزات مكثفة ، مثل وجود حديقة جدار أو حديقة أسطح، وضمان التواصل الشخصي والحميمى للسكان مع أوراق الشجر والزهور وأصوات العصافير عن طريق اللمس والشم والسمع.
في مثل هذا المخطط، مستويات المساحات الخضراء يجب أن تكون متكاملة بشكل منهجي، بهدف خلق بيئة صحية. لهذا المسعى دور في هندسة المناظر الطبيعية ليس هامشياً بل مركزياً: وهي الوسيلة التي يمكن للمدن من خلالها أن تصبح ملاذا لصحة الجسم، والعقل والروح، من مستوى المدينة أو الإقليم إلى المباني المنفصلة و والوحدات السكنية.