النمل الأبيض يساعد الغابات المطيرة فى التغلب على تغير المناخ
الأشجار هي من أطول وأضخم الكائنات الحية في العالم. سافر العلماء عبر الجسور المعلقة وتوغلوا في الغابات ، حيث أقاموا مجموعة من التجارب لدراسة الآثار البيئية للمخلوقات الأصغر ، والأقل لفتاً للأنظار التى تسمى: النمل الأبيض.
ولقد عرف أن النمل الأبيض يتحكم فى مملكة التربة في الغابة ، حيث يتغذى على أوراق الأشجار المتساقطة، ويحفر الأنفاق التى تعمل على تهوية التربة ، ويقوم "بهندسة" أنحاء النظام البيئي. لكن لم يعرف العلماء بالضبط مدى أهمية الحشرات في الحفاظ على الغابة فى حالة صحية ووظيفية - لذا فقد شرعوا في معرفة واكتشاف دورها عن طريق إزالة النمل الأبيض من بقعة معينة في الغابة ومشاهدة كيفية استجابتها.
بدأ العلماء تجربتهم عندما كانت الغابة تعانى من الجفاف الشديد ، نتيجة لحدوث ظاهرة النينيو خلال عامي 2015-2016. وما لاحظوه وتم تلخيصه في دراسة نُشرت بتاريخ 10 يناير 2019 في مجلة ساينس كان غير متوقعاً. فقد كان النمل الأبيض منتشراً في كل مكان، أي ضعف ما كان عليه خلال أعوام الأمطار المعتادة. وساعد النمل الأبيض أشجار الغابة على مقاومة الجفاف كى تظل سليمة وصحية. أيضاً في المناطق الغنية بالنمل الأبيض، ظلت التربة رطبة ، وتكاثرت المزيد من شتلات الأشجار، ونشط نظام التربة بشكل عام على الرغم من موجة الجفاف الطويلة.
قالت جريفيث، عالمة الحشرات من جامعة يورك في المملكة المتحدة: "إن النمل الأبيض بمثابة التأمين الإيكولوجي للغابة". وأردفت بأن النمل الأبيض يعمل على حماية الغابة من تأثيرات تغير المناخ.
حصد النمل الأبيض على سمعة سيئة، فهو يتسبب فى خسارة الكثير من الممتلكات الخشبية كل عام في دول العالم. كما أنه مسؤول عن حوالى 2% من انبعاثات الكربون العالمية ، وذلك ببساطة عن طريق أعدادها الضخمة وميلها إلى مضغ المواد الغنية بالكربون.
يلعب النمل الأبيض دوراً رئيسياً في العديد من النظم البيئية الطبيعية. فقد اكتشف العلماء لسنوات أنه في الغابات الاستوائية ، يتغذى النمل الأبيض على الأوراق المتساقطة والخشب الميت ، ثم تعيد مخلفاتها التى تحتوى على العناصر الغذائية إلى التربة مرة أخرى لاستخدامها من قبل النباتات والحشرات والحيوانات الأخرى.
كان من الصعب للغاية فهم دور النمل الأبيض في العديد من الأنظمة البيئية التي كانت تعيش فيها ، فهل هو المسئول عن الجزء الأكبر من تنظيم وهندسة أرضية الغابة ، أم هى ميكروبات التربة ، أم النمل والميكروبات معا؟ لكن اكتشف الفريق البحثى طريقة لفصل النمل الأبيض وحده من بعض المناطق الصغيرة في الغابة ، عن طريق إسقاط أكوام صغيرة من السليلوز المسمم. حيث أن النمل الأبيض وحده ولا شيء سواه يمكن أن يهضم السليلوز . هذه الطريقة تركت خلفها نظامًا بيئيًا خالياً من النمل الأبيض تقريبًا يمكن مقارنته مع تلك التي لم تتأثر ، مما سمح لهم بدراسة الدور الدقيق الذي تلعبه تلك الحشرة.
خلال السنوات التى لم تتعرض للجفاف، لاحظوا أنه لم يكن هناك فرق كبير بين المناطق العادية والأخرى التى أزالوا منها النمل الأبيض. لكن خلال سنوات الجفاف، كانت الآثار واضحة. وحيثما كان هناك المزيد من النمل الأبيض الذى يلتهم نفايات الأوراق ، ظلت التربة رطبة ونمت الشتلات، مما ساعد الغابة على تحمل أسوأ جفاف منذ 20 عامًا.
يقول روب برينجل ، المتخصص في علم البيئة بجامعة برينستون الذي لم يشارك في الدراسة: "يمكن للنمل الأبيض أن يحمي بشكل فعال ضد التغير المناخي. وكلما كان بوسعنا أن نبذل مجهودات أكثر لمحاولة الحفاظ على سلامة تجمعات المجتمعات الطبيعية ، كلما زادت مقاومتها لتحديات المستقبل مثل تغير المناخ". يتنبأ العلماء أنه مع تزايد وتيرة التغير المناخى ، يمكن أن تتفاقم حالات الجفاف مسببة مزيدًا من الضغط على الغابات المطيرة ، ولكن الرسالة واضحة وهى أن النمل الأبيض هو مفتاح الحل للحفاظ على سلامة الغابة في مواجهة تغير المناخ.
وبالنسبة إلى جريفيث، فقد أظهرت دراستها مدى ما تبقى لمعرفة ترابط النظام البيئي في الغابات في جميع أنحاء العالم. وأشارت إلى أنه فقط بسبب مصادفة دراسة الجفاف ، أمكنهم أن يكتشفوا الأهمية الحقيقية للنمل الأبيض للنظام البيئى داخل الغابة. فما مدى مانجهله إذا بدأنا في الإضرار بالمجتمعات البيولوجية ؟، بالتأكيد نحن لا نعرف ما الذي سيحدث.