أخيراً أدرك مخططى المدن أن الأشجار لها آثار إيجابية لا تعد ولا تحصى في المناطق الحضرية، كما أنها إستثمار مهم، لذلك رعايتها ليس فقط مصدر قوة للمجتمع، ولكن يمكنها أيضا أن توفر المال.
كثير من الناس يعرفون بالفعل أن الأشجار تبرد أجواء المدن وتقلل من تأثير الجزر الحرارية، وتحسن من نوعية الهواء وتضيف الأكسجين في الهواء، وتوفر الموائل للثدييات الصغيرة والطيور والنحل والحشرات الأخرى، ومع ذلك، هناك العديد من الفوائد الأقل شهرة للأشجار في المناطق الحضرية مثل ما يلى:-
الأشجار تساعد على الاستشفاء
يدرك كثير من الناس أن الهواء النقي، والمناظر الجميلة، والروائح العطرية للزهور والنباتات مفيدة بالنسبة لهم. لكن دراسة نشرت عام 1984 في مجلة ساينس العلمية أجراها عالم النفس البيئي روجر أولريش، والذى كان أول من استخدم معايير وضوابط البحوث التجريبية الطبية الحديثة لتحديد النتائج الكمية على الصحة. تبين له أن المريض الذى يحدق للأشجار والمساحات الخضراء بالحديقة يمكن أن تسرع من شفاءه من أثارالجراحة والالتهابات وأمراض أخرى.
درس أولريش وفريقه البحثى السجلات الطبية لبعض المرضى الذين يتعافون من جراحة المرارة في مستشفى بولاية بنسلفانيا. المرضى الذين تطل نوافذ غرفهم على أشجار مورقة إلتئمت جروح عملياتهم بمعدل يوم واحد أسرع، وكان هناك حاجة أقل بكثير إلى المسكنات كما أن مضاعفات ما بعد الجراحة كانت أقل مقارنة بالمرضى الموجودين فى غرف بدون نوافذ تطل على أشجار.
وفقاً لدراسات مختلفة أجريت على الأشخاص الأصحاء لقياس التغيرات الفسيولوجية في ضغط الدم، وتوتر العضلات، والنشاط الكهربائي في الدماغ والقلب، فإن تأثير النظر إلى الأشجار والزهور، أو الماء لمدة 3-5 دقائق فقط يمكن أن يحد من الغضب والقلق والألم ويساعد على الإسترخاء. يقول كلير كوبر ماركوس، وهو أستاذ فخري في هندسة المناظر الطبيعية في جامعة كاليفورنيا- بيركلي عن هذا التأثير:- "دعونا نكون واضحين، فقضاء بعض الوقت والتفاعل مع الطبيعة في حديقة مصممة تصميماً جيداً لن يعالج السرطان أو يشفى ساق مصابة بحروق شديدة. ولكن هناك أدلة قوية على أنها يمكن أن تقلل من مستويات الألم والإجهاد وتعزز الجهاز المناعي للمساعدة على الشفاء ".
الأشجار تحد من العنف
المناظر الطبيعية الجميلة لها آثار جسدية ونفسية على البشر، حيث يمكنها الحد من التوتر والمشاعر السلبية. وقد لوحظ هذا الأثر فى الحد من معدلات الجريمة والعنف في بعض المناطق. في دراسة أجريت في شيكاغو، فى أكبر مشاريع الإسكان الجماعى في العالم، كانت هناك حوادث أقل بشكل كبير من الجرائم ضد الناس والممتلكات في المباني السكنية التي تحيط بها الأشجار والمساحات الخضراء مما كانت عليه في الشقق المشابهة القريبة ولكنها محاطة بأرض قاحلة دون غطاء نباتى . ما هو أكثر من ذلك، فإن دراسة تأثير مساحة الغطاء النباتي أظهرت أن المباني المحاطة بمساحات كبيرة من الغطاء الأخضر بها جرائم سرقات أقل بحوالى 48 % كما قلت جرائم العنف بنسبة وصلت إلى 65%. حتى المناطق التى بها مساحة متوسطة من المساحات الخضراء تميزت بانخفاض معدلات الجريمة.
النباتات والمساحات الخضراء تخفض الجريمة بعدة طرق. أولاً فإن المساحات الخضراء تساعد الناس على الاسترخاء واستعادة النشاط، مما يقلل من المشاعر العدوانية. ثانيا، المساحات الخضراء تجمع بين الناس في الهواء الطلق، فتزيد من المراقبة وتحد من شجاعة المجرمين. أيضاً المظهر الأخضر والاعتناء بتجميل المبنى السكنى هو أيضا إشارة للمجرمين بأن مالكى وساكنى تلك الوحدات يهتمون بها ويحمونها من اللصوص وليست مهجورة.
وجدت الدراسة أيضا أن سكان هذه المنازل الذين يعيشون بالقرب من الأشجار إنخفض لديهم مستويات العنف بدرجة كبيرة أقل من جيرانهم الذين يعيشون في أماكن بدون الأشجار. من بين 200 من السكان تم مقابلتهم، قال 14% من هؤلاء الموجودون في مساكن غير محاطة بالأشجار أو المساحات الخضراء بأنهم قد ضربوا أطفالهم في العام الماضي، بالمقارنة مع 3% فقط من السكان الذين يعيشون في المناطق المشجرة. وقالت 22٪ من النساء بالمناطق الخضراء أنهن متورطات في أعمال عنف في العام الماضي، مقارنة مع 13% من اللاتى يعشن في المناطق التى بها مساحات خضراء.
الأشجار تحسن الاقتصاد
بالإضافة إلى تحسين مظهر الحى، فإن الأشجار يمكنها أيضا زيادة مبيعات التجزئة وإضافة قيمة سعرية إلى المنازل والممتلكات الأخرى. تبين أن مناطق بيع التجزئة التجارية هي أكثر جاذبية للمتسوقين عندما تمتلئ بالأشجار والمساحات الخضراء. وقد أظهرت الدراسات أن الشركات المنشأة في المناطق ذات الأشجار تشجع المتسوقين على قضاء المزيد من الوقت فى التسوق، مما أدى في بعض الحالات إلى زيادة حجم الأعمال التجارية بحوالى 11٪. وهناك اعتبار آخر هو أن الشارع الذى تصطف على جانبيه الأشجار في كثير من الأحيان يتصف ببطء حركة المرور بما فيه الكفاية للسماح للسائقين لإلقاء نظرة على واجهات المحلات بدلا من المرور بسرعة. يمكن للأشجار أيضا أن تحفز التنمية الاقتصادية من خلال جذب أعمال جديدة وخلق نشاط سياحى إلى المنطقة التى بها أشجار ومساحات خضراء.
فيما يتعلق بالعقارات، فإن تأجير الشقق يتم بسرعة أكبر، ويميل المستأجرون إلى البقاء لفترة أطول، وعموماً المنازل والمحلات الموجودة فى المناطق المشجرة تكون أكثر قيمة عند بيعها او عرضها للإيجار. وتشير تقارير دائرة الغابات في وزارة الزراعة الأميركية أن الأشجار الناضجة الصحية تضيف حوالى 10% لقيمة العقار.
الأشجار تقوي الروابط الاجتماعية
في نفس الدراسة السابقة التى أجريت فى منازل الإسكان الجماعى بشيكاغو، تبين أنه بالمقارنة مع الأشخاص الذين يعيشون في أماكن بدون أشجار، فإن سكان المنازل الموجودة بالقرب من الأشجار لديهم علاقات أفضل بكثير وقوية مع جيرانهم. كما ذكرت الدراسة وجود المزيد من الزوار لديهم، وتنشأتهم الاجتماعية مع جيرانهم تكون ملحوظة بشكل قوى. هذا يؤدي إلى الشعور بقوة المجتمع، كما أقروا أيضاً بانهم يكونون أكثر أماناً من أولئك الذين يعيشون فى منازل غير محاطة بالأشجار والمساحات الخضراء . وجد الفريق البحثى أن البالغين والأطفال يجتمعون أكثر بشكل ملحوظ في المساحات المشتركة التي تحتوي على أشجار من الأماكن التي ليس بها الأشجار.
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت النساء اللاتي يعشن في المباني السكنية المحاطة بالأشجار والمساحات الخضراء أنهن أكثر فعالية وأقل تسويفاً وإهمالاً في التعامل مع قضايا الحياة الرئيسية من اللاتى يعشن في مبانى سكنية مشابهة ولكنها غير محاطة بمساحات خضراء أوأشجار. وبالإضافة إلى ذلك، وجدت النساء في المناطق المحاطة بالغطاء الخضرى أن مشاكلهن تكون أقل صعوبة وتستمرلمدة قصيرة. وخلصت الدراسة إلى أن الأشجار قد تساعد السكان الفقراء، داخل المدينة على تحسين أساليب التعامل مع مطالبهم المعيشية، وتزيد من شعورهم بالتفاؤل بشأن المستقبل، كما تمكنهم من إدارة أهم المشاكل على نحو أكثر فعالية.
تعتبر الأشجار استثماراً مجدياً يمكن أن يستفيد منه الجميع والمجتمع بصفة عامة.
댓글