فقدان الغابات يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض
في بورنيو، وهي جزيرة تتقاسمها اندونيسيا وماليزيا يوجد بعض أقدم الغابات الاستوائية في العالم والتى يجري تدميرها واستبدالها بمزارع زيت النخيل بمعدل سريع. إزالة الغابات الثرية في التنوع البيولوجي لزراعة محصول واحد يسبب مشاكل بيئية عديدة، منها تدمير موائل الحياة البرية إلى التحرر السريع لغاز الكربون المخزن منذ ألاف السنين، الأمر الذي يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
ولكن إزالة الغابات له تأثير مقلق آخر، ألا وهو زيادة انتشار الأمراض التي تهدد الحياة مثل الملاريا وحمى الضنك dengue fever. لمجموعة من الأسباب البيئية، فإن فقدان الغابات يمكن أن يكون بمثابة حاضنة للأمراض المعدية التي تنقلها الحشرات وغيرها التي تصيب البشر. وجاء أحدث مثال على ضوء ذلك في دورية (الأمراض المعدية الناشئة)، حيث وثق الباحثون ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة بالملاريا في منطقة بورنيو الماليزية والتى يحدث بها إزالة الغابات السريع.
تم العثور على هذا الشكل من المرض أساسا في قرود المكاك macaques ، وتساءل العلماء لماذا كان هناك ارتفاع مفاجئ في عدد حالات الإصابة البشرية بالملاريا. تمت دراسة باستخدام خرائط الأقمار الصناعية للمناطق التى تم قطع الغابات بها والمناطق الأخرى التى تركت بها الغابات، قارن الباحثون مواقع تفشي مرض الملاريا، واكتشفوا أن هذه القرود استوطنت في الأجزاء المتبقية من الغابات المزالة، مع إمكانية زيادة انتقال المرض بين أفرادها. كما أن عمل البشر في مزارع النخيل التي أنشئت مؤخراً، بالقرب من أطراف الغابات المزالة، يزيد من فرصة انتشار البعوض الذى يزدهر فى هذا الموطن الجديد والذى ينقل المرض من قرود المكاك إلى البشر.
هذه الظواهر أصبحت شائعة فخلال عدة سنوات عندما يتم تطهير الكثير من الأراضي يحدث ارتفاع حالات الإصابة بداء leptospirosis وهو (مرض بكتيري قاتل)، والملاريا وحمى الضنك، فإزالة الغابات تخلق بيئة مثاليية لبعض الأمراض. دراسة الملاريا بغابات بورنيو هي آخر دليل من مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية التي تبين كيف أن تقليل مساحات واسعة من الغابات هو عامل رئيسي في ظهور مشاكل صحية خطيرة للإنسان نتيجة لتفشى بعض الأمراض المعدية الأكثر خطورة في العالم والتي تنشأ من الحياة البرية و الحشرات في الغابات. نحو 60 % من الأمراض التي تؤثر على الناس تقضى جزءاً من دورة حياتها على الحيوانات البرية والداجنة. ويقول العلماء أن تطوير الأراضي يتسارع في جميع أنحاء المناطق التي يزداد فيها التنوع البيولوجي وكلما زاد عدد الأنواع، كلما ازداد عدد الأمراض، كما انهم قلقون بشدة أن الوباء العالمي القادم قد يخرج من الغابة وينتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، كما كان الحال مع سارس وايبولا اللذان ظهرا من خلال الحيوانات البرية.
البعوض ليس الناقل الوحيد لمسببات الأمراض من البرية إلى البشر، فالخفافيش، والقرود، وحتى القواقع يمكن أن تحمل المرض، وآليات انتقال الأمراض لجميع هذه الأنواع تتغير نتيجة إزالة الغابات، في كثير من الأحيان مما يشكل تهديداً كبيراً للبشر.
استبدال زراعة المحاصيل بالغابات، يوفر بيئة أكثر ملائمة للبعوض الذى يحمل طفيل الملاريا، وقد عرفت العلاقة بين إزالة الغابات وزيادة الملاريا في بيرو، ففي منطقة واحدة عام 1990 زادت حالات الإصابة بالملاريا من 600 إلى 120 ألف حالة سنوياً ، بعد أن تم شق طريق فى الغابات البكر وبدأ الناس تطهير أرض الغابة لإنشاء مزارع للمحاصيل.
ووجدت إحدى الدراسات التي قام بها "فيتور وأخرون" أن أحد أنواع البعوض الحامل للملاريا (Anopheles darlingi)، في منطقة أزيل منها الغابات في بيرو كانت مختلفة جذرياً عن مثيلتها الموجودة في غابات سليمة. وهذا النوع في المناطق التي أزيلت منها الغابات هاجم الإنسان بمعدل 278 مرة اكثر مما كانت عليه في غابة سليمة، وفقا لدراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب الاستوائي والنظافة في عام 2006. وأضاف فيتور "في الغابة، لم نعثر على أي حالات للتربية على الإطلاق، كما أن البعوض البالغ لايهاجم البشر". وهذا ربما لأن البيئة فى الطبيعية التي أزيلت منها الغابات عبارة عن نباتات قصيرة والتربة مغمورة بالمياه وهى ظروف مثالية لتكاثر البعوض، وبالتالى فهى تحتاج للدم البشري في نمو بيضها.
إحدى الدراسات التى أجريت في البرازيل، ونشرت في مجلة الأمراض المعدية الناشئة في عام 2010، وجدت أن تطهير 4% من الغابات أدى إلى زيادة ما يقرب من 50 % في حالات الإصابة بالملاريا. تتفاوت البيئة الطبيعية للفيروسات في المناطق التي أزيلت منها الغابات. عند قطع الغابات ، تنشأ العديد من الحدود الجديدة، أو الحواف، ما بين المناطق التي أزيلت منها الغابات والغابات المتبقية. البعوض من نوع "الزاعجة الأفريقية"، يعتبر عائل للحمى الصفراء وفيروسات Chikungaya، وغالبا ما تتخذ تلك الحواف موائلاً لها وتهاجم الذين يعملون أو يعيشون في الأماكن القريبة لها. أنواع القرود الأخرى، التي هي أيضا مصدراً لمسببات الأمراض، تتواجد فى هذه النظم الإيكولوجية الجديدة، وتوفر مصدراً دائماً للفيروسات بالنسبة للحشرات.
الحشرات ليست هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تفاقم الأمراض المعدية نتيجة لإزالة الغابات. لسبب غير معروف، فإن أنواع القواقع التي يمكن أن تتكيف بشكل أفضل فى المناطق الدافئة المفتوحة والتي تنشأ بعد قطع الغابات، تعتبر من أفضل العوائل للطفيليات التى تسمى بالديدان المفلطحة، وبعضها يسبب مرض البلهارسيا، وهو مرض يدمر الأعضاء البشرية وخاصة الكبد.
يخشى العلماء من تزايد تفشى هذه الأوبئة بسبب تغيير الإنسان من الطبيعية. إمتدت الإمبراطورية الرومانية من اسكتلندا إلى أفريقيا، ودامت لأكثر من 400 سنة، لكن لا أحد يعرف بالضبط لماذا انهارت هذه الإمبراطورية، ولكن أحد العوامل المساهمة فى ذلك قد تكون الملاريا. ففى عام 1990 تم اكتشاف مقبرة جماعية للأطفال الرضع من تلك الحقبة، ووجد من خلال تحليل الحمض النووي أن العديد منهم قد توفي بسبب الملاريا، وفقا لدراسة نشرت في عام 2001. ويتوقع بعض الباحثين أن تفشي الملاريا قد تفاقم بسبب إزالة الغابات في محيط وادي نهر التيبر Tiber في روما لتوريد الأخشاب اللازمة فى تأسيس المدينة المتنامية.
إذا أتي الربيع في وقت مبكر، يفقس بيض البعوض مبكراً وتصبح أعداده أكبر خلال فصل الصيف. الارتفاع في درجات الحرارة بجنوب شرق آسيا، خلال دورات النينيو المناخية يرتبط بتفشي حمى الضنك dengue fever ، لكون الطقس أكثر دفئا مما يسمح للبعوض أن يتكاثر بشكل أسرع ويزداد أعداده، وينتشر الفيروس نتيجة لذلك.
جزء من الحل هو الاعتراف وفهم هذه الاتصالات وتعليم الناس أن الحفاظ على الطبيعة بحالة سليمة له تأثيرات واقية. وحيث لا يقطع الناس الغابات أو يبنوا الطرق، يمكن اتخاذ خطوات عديدة لتقليل فرص انتشار المرض الذي ينقله البعوض مع حملات التوعية، وإنشاء المزيد من العيادات والتدريب في مجال الصحة، والمراقبة الطبية. واذا تمكنا من التعامل الجيد والآمن مع تجارة الحياة البرية وإزالة الغابات فلن نحتاج لوقف تفشي الأمراض القاتلة مثل زيكا أو الايبولا.