top of page

هل الإضاءة الليلية تضرر الأشجار؟


تم التأكد الآن بأن الإضاءة الليلية المفرطة تعتبر شكل من أشكال التلوث مع احتمال إحداث أضرار ببعض الأشجار. ومع ذلك، فإن تأثيرات الإضاءة التكميلية على الأشجار تكون معقدة. ويعتمد فهم استجابة الأشجار على نوع المصابيح المستخدمة وطيف الإشعاع المنبعث منها، وشدة ذلك الإشعاع، ودور الضوء في بعض العمليات البيولوجية.


التلوث الضوئي


قبل الاستخدام واسع النطاق للإضاءة الكهربائية في الهواء الطلق، كانت السماء ليلاً بديعة المنظر تتلألأ فيها عدة آلاف من النجوم المنيرة فى فراغ بلا حدود واضحة. ولكن، مع زيادة الإضاءة لتوفير السلامة والأمن وكذلك لوحات الإعلانات والجماليات، تزايد التلوث الضوئي ليكون مشكلة صعبة. اليوم، تلتف الأرض في ضباب مضئ يسمى توهج السماء skyglow بسبب الإضاءة الاصطناعية التي تعكس قطرات الندى وجزيئات الغبار المحمولة فى الجو، فتحجب رؤية السماء. ونتيجة لذلك، حوالى 25٪ من البشر لم يعدوا قادرين على رؤية النجوم المتلألأة فى السماء. الكثير من الضوء الاصطناعي ساطع جداً وموجه بشكل غير فعال مما يسبب آثاراً سلبية.


ومن الآثار الضارة للإضاءة المفرطة في الليل، هو الهدر الهائل للطاقة والأضرار البيئية المرتبطة بإنتاج الكهرباء من التعدين والحفر والتكرير والاحتراق والتخلص من النفايات. على سبيل المثال، يقدر أن 30٪ من الكهرباء المنتجة للإضاءة الخارجية تبدد من خلال توجيهها في السماء. وتقدر جمعية السماء الداكنة الدولية أن تكاليف الكهرباء المهدرة تبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً وتنتج 12 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون أثناء توليدها. العديد من الطرق والمناطق ذات حركة المرور العالية مضاءة بشكل مكثف بحيث تسبب تقليل الرؤية بسبب شدة الوهج وسوء تجهيزات الحماية ضد هذا الوهج. وهناك أثر سلبي آخر هو أن الدورات السنوية للنمو والتكاثر في الأشجار التي يتحكم فيها طول النهار يمكن أن تتغير من خلال الإضاءة الليلية التكميلية.

الشكل 1. الطيف الكهرومغناطيسي والأطوال الموجية


الطيف الكهرومغناطيسي


لفهم التأثيرات المحتملة للإضاءة الليلية على الأشجار، من المهم أن نكون على دراية بطبيعة الطيف الواسع من الطاقة الإشعاعية التي تتعرض لها الأشجار. ويشير الطيف الكهرمغنطيسي إلى جميع الطاقة الإشعاعية التي تنتقل في شكل موجات تتفاوت في طولها من جزء من النانومتر إلى الكيلومتر (الشكل 1). جميع أجزاء هذا الطيف لها أدوار هامة في محيطنا الحيوي. الضوء المرئي يتراوح طوله مابين 380 - 760 نانومتر على طول الطيف. هذا النطاق الضيق من الإشعاع مهم جدا لأنه هو الجزء الذى تميزه العينين وتجعل الرؤية ممكنة، كما أنه أيضا ضروري لعملية التمثيل الضوئي والعمليات التي تتحكم في نمو وتطور النباتات.


وبشكل مجمع، تنتج الموجات المرئية الضوء الأبيض، ولكن يمكن فصلها إلى مجموعة من الألوان. الأشعة تحت الحمراء بطول (760 – 1 مليون نانومتر) تشع الحرارة. وهي أطوال الموجات التي يمتصها الغلاف الجوي للأرض بمستويات عالية وتسمى غازات الدفيئة مما يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الهواء، الذى يؤدي إلى حدوث الاحتباس الحرارى. على الرغم من أنها غير مرئية، إلا أن موجات الأشعة تحت الحمراء ذات أهمية كبيرة بيولوجيا مثل الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي.


الأشجار والإشعاع الكهرومغناطيسي


تعتمد الأشجار فى نموها الطبيعي على ثلاثة صفات للإشعاع الكهرومغناطيسي هى مايلى:-


الطول الموجي wavelength أو (اللون)، والشدة brightness أو (السطوع)، والمدة خلال النهار photoperiod (الفترة الضوئية). لا يهم بالنسبة للشجرة ما إذا كان الإشعاع يأتي من الشمس أو مصادر صناعية طالما يتم توفير الطول الموجي والكثافة، والمدة المطلوبة. وهناك عمليتان حيويتان مهمتان للأشجار مرتبطتان بأطوال الموجات الضوئية هما:

1- عملية التمثيل الضوئي Photosynthesis التي تتطلب الضوء الأزرق المرئى (400-450 نانومتر) والأحمر (625-700 نانومتر)


2- عملية الانتحاء الضوئى Photoperiodism وتتطلب الضوء الأحمر المرئى (625-760 نانومتر) والأشعة تحت الحمراء (760- 850 نانومتر).


دور الضوء في التمثيل الضوئي وتحويل هذه الطاقة الإشعاعية إلى صورة كيميائية على شكل سكريات يمكن للأشجار استخدامها هو دور معروف جيداً.


قد يكون دور طول اليوم أو طول الفترة الضوئية للتحكم فى النمو الخضري والأنشطة التكاثرية أقل قيمة. ارتفاع كثافة الضوء نسبياً من 1000 ميكروينستين لكل متر مربع في الثانية (µE/m2 /sec) كافية لحدوث التمثيل الضوئي في معظم الأشجار (200 ميكروينستين/م2/ثانية لأشجار الظل)، ولكن الاستجابة للفترة الضوئية قد تحدث عند أقل من 0.06 - 3 ميكروينستين لكل متر مربع في الثانية. كنقطة مرجعية للمقارنة، فإن الإضاءة في الأماكن المغلقة الكافية للقراءة تبلغ حوالي 4.6 وضوء القمر الكامل يساوى حوالي 0.004 ميكروينستين لكل متر مربع في الثانية. والمصباح المتوهج 100 واط يشع 5 ميكروينستين لكل متر مربع في الثانية على مسافة 5 أقدام من المصدر، والمصباح الفلورسنت 150 واط يشع 17 ميكروينستين لكل متر مربع في الثانية على نفس المسافة.


(الجدول 1) حساسية النباتات الخشبية للضوء الاصطناعي

من المعروف منذ أربعينيات القرن العشرين أن مدة الظلام المتصلة غير المتقطعة خلال دورة مدتها 24 ساعة تتحكم فى عمليات التطور في الأشجار مثل السكون والنمو والإزهار.


الصبغات الضوئية التى تسمى فيتوكوم phytochome لها القدرة على الإحساس بطول فترة النهار والليل اعتماداً على طول الآشعة التى تمتصها سواء كانت آشعة حمراء (625-760 نانومتر) أو أشعة تحت الحمراء (760- 850 نانومتر). حتى الوميض اللحظى خلال فترة الظلام كافي لخلق حالة فسيولوجية تشبه الليل القصير أو بشكل عكسى يوم طويل.


وتصنف الأشجار وكذلك النباتات الأخرى وفقا لاستجابتها لطول النهار إلى ثلاث مجموعات هى نباتات ذات نهار قصير، أو ذات يوم طويل، أو محايدة. أشجار النهار القصير تزهر وتدخل طور السكون عندما يقصر طول اليوم في أواخر الصيف. أما أشجار النهار الطويل فتزهر في أوائل الصيف وتواصل النمو الخضري حتى يقصر النهار في الخريف.


لا تتأثر الأشجار المحايدة بطول النهار على الإطلاق. يمكن أن تؤثر طول الفترة الضوئية أيضا على شكل الورقة. وتكون الشعيرات على سطح الشعر (pubescence) وتكون الصبغات النباتية وميعاد تساقط الخريف ونمو الجذور، وكذلك بداية وكسر طور السكون للبراعم. بعض أنواع الإضاءة الليلية يمكن أن تؤخر طول الفترة الضوئية الطبيعية وبالتالي تخل بعمليات النمو.


تأثير الإضاءة الليلية على الأشجار


وينبغي أن يكون واضحا مما سبق أن معظم الإضاءة الليلية ليست كافية لكى تؤثر على عملية التمثيل الضوئي، ولكنها قد تؤثر على الأشجار الحساسة لطول النهار. الإضاءة الاصطناعية، وخاصة من مصدر ينبعث منه طيف الآشعة الحمراء إلى الأشعة تحت الحمراء، تعمل على تمديد فترة الإضاءة (طول النهار) وبالتالى قد يغير من أنماط الإزهار، والأهم من ذلك، تشجيع النمو الخضرى المستمر وبالتالي منع الأشجار من الراحة (دخول طور السكون) الذي يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة ومقاومة برد الشتاء. الأشجار الشابة، بسبب أنها أكثر قوة وتميل إلى النمو لفترة أطول بشكل طبيعي، فهي أكثر عرضة من الأشجار الناضجة والمسنة إلى التأثر بأضرار البرد القارس نتيجة للنمو لفترات إضافية بتأثير الإضاءة الاصطناعية.


الإضاءة المستمرة، والتي للأسف هى الأكثر شيوعاً، تكون أشد ضرراً من الإضاءة التي يتم إيقافها في وقت متأخر من الليل. في ظروف الإضاءة المستمرة قد تكون أوراق الأشجار المزروعة أكبر في الحجم وأكثر عرضة لتلوث الهواء والإجهاد المائي خلال موسم النمو لأن الثغور التنفسية في الأوراق تظل مفتوحة لفترات أطول. وهناك قدر كبير من التباين في قابلية النباتات الخشبية للإضاءة الاصطناعية (الجدول 1). وينبغي تجنب زراعة الأشجار ذات الحساسية العالية في المناطق التي تستخدم فيها مصابيح عالية الكثافة تنتج إضاءة ذات أطوال موجية حمراء وأشعة تحت حمراء.


أنواع الطيف الضوئى المنتجة وآثارها على الأشجار


مصادر الضوء المختلفة لها أطياف انبعاث مختلفة. على سبيل المثال، الفلورسنت عالى في الضوء الأزرق ومنخفض في الموجات الحمراء، في حين أن ضوء المصابيح المتوهجة incandescent تفتقر إلى الضوء الأزرق، ولكنها عالية في الضوء الأحمر والأشعة تحت الحمراء. وتصدر مصابيح بخار الزئبق أساسا موجات الضوء البنفسجية إلى الزرقاء، وتتوهج مصابيح الهاليديدات المعدنية بالضوء الأخضر إلى البرتقالي. ومصابيح الصوديوم عالية ضغط (HPS) تنبعث منها موجات عالية الكثافة غنية بالضوء الأحمر والأشعة تحت الحمراء (الجدول 2).


(الجدول 2) الطول الموجي المنبعث من أنواع مختلفة من مصادر الضوء وتأثيراتها المحتملة على العمليات الضوئية في الأشجار

في الأيام الأولى لإنارة الشوارع، كانت المصابيح المستخدمة في أغلب الأحيان إما المتوهجة منخفضة الكثافة أو الفلورسنت ذات الكثافة العالية أو بخار الزئبق أو مصابيح الهاليد المعدنية. هذه المصادر الخفيفة، على الرغم من أنها جاذبة للحشرات، كان لها تأثير ضئيل على النباتات لأنها تشع في الغالب أطوال موجية أقصر من الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي، باستثناء المصابيح المتوهجة التي ينبعث منها طيف متوازن نسبياً من جميع الأطوال الموجية. في منتصف الستينيات للقرن الماضى، تم تطوير مصابيح الصوديوم ذات الضغط العالي، والتي ينبعث منها ضوء عالي الكثافة موجاته حمراء والأشعة تحت حمراء. وقد تم ملاحظة زيادة الإصابات بالنباتات الخشبية منذ الانتشار الواسع لهذا النوع من الإضاءة الاصطناعية.


عندما تكون الإضاءة الاصطناعية ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، ينبغي استخدام مصابيح بخار الزئبق أو الهاليد أو مصابيح الفلورسنت على الترتيب. وينبغي تجنب مصابيح الصوديوم عالية الضغط، ومن الأفضل استبعاد مصابيح التنجستين المنخفضة الكثافة low-intensity incandescent بسبب زيادة إنتاجها من الأشعة تحت الحمراء وتأثيرها الضار المحتمل على بعض أنواع الأشجار.


(الشكل 2) أفضل تصميم للإضاءة باختيار مناسب لنوع المصباح مما يوفر إضاءة ليلية مناسبة ويقلل التلوث الضوئي والتأثيرات الضارة على الأشجار


(الشكل 3) تصميم الإضاءة السيئة باستخدام تركيبات غير محمية ووحدات إضاءة موجهة للأعلى. حتى مع الاختيار الصحيح لنوع المصباح لتقليل التأثيرات المباشرة على الأشجار، يحدث تلوث في السماء ليلاً

يتم تركيب وحدات حماية ضد الوهج بحيث يتم توجيه الضوء الاصطناعى نحو أرضية أرصفة المشاة ومسارات السيارات بعيداً عن النباتات للحد من التلوث الضوئي ولتقليل الضرر على الأشجار (الشكل 2). في جميع الحالات، ينبغي تجنب الضوء الساطع والمتوهج على مسافات أفقية كبيرة (الشكل 3). ويجب إيقاف الأضواء أو تقليلها خلال ساعات الذروة لتجنب الإضاءة المستمرة للأشجار، والتي لديها أكبر إمكانات لخلط أنماط النمو الطبيعي. عند زراعة الأشجار بمواقع بها إضاءة تكميلية ليلاً ، يجب اختيار الأنواع التى لديها حساسية منخفضة للضوء (الجدول 1).


المصدر: إضغط هنا

903 views0 comments
bottom of page