top of page

علم الظواهر: اخضرار الربيع في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية

فُتِنَ الناس منذ القِدَم وعلى مر القرون بتوقيت قدوم الربيع، وسُمِّي الفصل باسم "انبثاق" الأوراق في الأشجار متساقطة الأوراق (النفضية). وكان من المعروف منذ فترة طويلة أن ظهور أوراق الربيع يرتبط ـ بقوة ـ بدرجة الحرارة 1,2، حتى في روما القديمة أدرك بِلِّينِي الأكبر أن ظهور الأوراق كان أفضل كمؤشر للطقس من المجموعات النجمية 3. وقد ظهرت الأوراق في وقت مبكر خلال القرن الماضي، حيث أصبح الربيع أكثر حرارة. ومع الانبعاثات العالمية الناتجة عن النشاط البشري، التي تتجاوز حاليًّا أسوأ السيناريوهات السابقة 4، من المتوقع أن تكون العقود القادمة أكثر حرارة. فتُرَى، هل سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة في المستقبل إلى ربيع مبكر وأكثر اخضرارًا؟ بشأن هذه القضية أعلن فو وزملاؤه 5 عن نتائج تقرير يشير إلى أن العلاقة بين التوقيت الموسمي لظهور الأوراق ـ والظواهر المصاحبة للربيع ـ ودرجة الحرارة، آخذة في التغير.


ساعدت العلاقة بين درجات حرارة الربيع وظهور الأوراق علماء "الفريق الحكومي الدولي المعنِيّ بتغير المناخ"، في استخدام التغيرات في توقيت ظهور الأوراق، كمؤشر رئيس على التأثير البيئي لتغير المناخ 6. وبِغَضّ النظر عن النتائج في الربيع الأكثر اخضرارًا، فإن الظهور المبكر للأوراق يؤثر على جوانب مختلفة من وظيفة النظام البيئي، ويولِّد ردود أفعال متعددة إلى النظام المناخي 7. وبذلك تم بناء هذا الظهور المبكر في أحدث نماذج محاكاة أنظمة الأرض، التي تتنبأ بتطور كبير في توقيت ظهور الأوراق تحت ظروف احترار المناخ في المستقبل. وبغرض اختبار العلاقة بين ظهور الأوراق والاحترار، درس فو وزملاؤه نتائج 33 عامًا من الأرصاد، لسبعة أنواع من الغابات عبر 1,245 موقعًا في أوروبا. والمثير للدهشة أنهم اكتشفوا أن ظهور أوراق الربيع أصبح أقل حساسية لدرجة الحرارة مع مرور الوقت (الشكل 1). وتدعو نتائجهم المعتمِدة على الأرصاد إلى التشكيك في توقعات النموذج الحالي، وتشير إلى أن أوراق الربيع قد لا تظهر في وقت مبكر في ظل ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل، كما كان متوقعًا في السابق.


درجة الحرارة هي العامل المهيمن على تحفيز بداية ظهور أوراق الربيع في الغابات المعتدلة النفضية، لكن فو وزملاءە 5 يعتقدون أن عوامل مثل انخفاض برودة الشتاء تقلل حساسية ظهور أوراق الربيع إلى درجة الحرارة.

وعلى الرغم من أنه من المسَلَّم به عمومًا أن درجة الحرارة هي المحرك الرئيس للظواهر المصاحبة للربيع في الغابات النفضية المعتدلة، إلا أن هناك شكوكًا كبيرة حول مسارات تأثير درجة الحرارة، مع اتفاق ضئيل على ذلك بين نماذج المحاكاة، والتجارب، والأرصاد 8,9. ويبدو أن توقيت مشكلات الاحترار 10 والاستجابة له تختلف حسب الأنواع، وربما حسب الموقع أو السكان 11. كما يمكن أن تلعب عوامل أخرى عديدة دورًا، فعلى سبيل المثال.. عوامل أساسية، مثل طول النهار (فترة الضوء)، ومتطلبات السبات الشتوي، وكذلك عوامل الرطوبة وتباين درجة الحرارة. وقد تَبّيَّن أن فترة الضوء يكون لها تأثير قوي على بعض الأنواع، وخاصة على نوع الزان Fagus، حيث يكون تأثير درجات الحرارة الدافئة محدودًا، إذا كان النهار قصيرًا للغاية 12.


ثبت أيضًا أن أنواعًا عديدة تحتاج إلى كمية معينة من البرودة في فصل الشتاء قبل خروجها من سباتها 13. هذه الآلية التطورية التي تهدف إلى منع وقوع أضرار بالغة قد يسببها الصقيع المتأخر للأوراق الصغيرة، وتضمن أن يمر فصل الشتاء بالفعل قبل ظهور الأوراق. ومن المحتمل أن تقوم هذه التغييرات في أي من هذه العوامل بتعديل استجابة ظهور الأوراق لدرجة الحرارة، وتفسِّر الانخفاض في الحساسية لدرجات الحرارة التي سجلها فو وزملاؤه.


اختبر الباحثون ثلاث فرضيات لدراسة الأسباب الكامنة وراء أرصادهم. فقد قاموا بتقييم دور فترة الضوء، ولكن لم يستطيعوا تأكيد أو نفي تأثيرها. ووجد الباحثون كذلك أنه لا توجد أي تغيرات جذرية في توقيت ظهور الأوراق، نتيجة للتغيرات في درجات الحرارة، مما يدل على الأثر المحدود لهذا العامل. وكانت الفرضية الثالثة التي تم اختبارها هي أن الشتاء الأكثر دفئًا أدَّى إلى خفض برودة الشتاء، التي قد تثبط استجابة ظهور أوراق الربيع في الربيع الأكثر حرارة. وباستخدام نماذج متعددة، أظهر الباحثون أن الانخفاض في برودة الشتاء قد يؤدي إلى انخفاض الحساسية لدرجة الحرارة، على الرغم من أن التغيير في الحساسية لدرجات الحرارة، الذي تنبأت به النماذج كان أصغر بكثير من التغيير الذي رصده الباحثون.


على المدى الطويل، يؤدي هذا الاتجاه المتمثل في انخفاض برودة الشتاء ـ بالتضافر مع انخفاض حساسية ظهور أوراق الربيع لدرجة الحرارة ـ إلى إثارة تساؤلات حول مدى قيام عوامل ـ مثل متطلبات البرودة ـ بالحدّ من استجابة الظواهر المصاحبة للربيع إلى احترار المناخ. ومع ذلك.. فإن الارتباط عاجز عن التفسير السببي، كما نَوَّه الباحث، لأن الحساسية لدرجة الحرارة لم يُلاحظ اختلافها بشكل لافت في السنوات التي كانت أكثر برودة عن السنوات الأقل برودة. وإضافة إلى ذلك.. ليس كل النباتات النفضية لها متطلبات برودة، وكثير من هذه النباتات له متطلبات منخفضة، يتم استيفاؤها حتى في ظل ارتفاع درجات الحرارة التجريبية 14. وبالنسبة إلى معظم الأنواع، فما زال تأثير متطلبات البرودة غير مفهوم.


يُعتبر الانخفاض في الحساسية لدرجة الحرارة ـ الذي أورده فو وزملاؤه ـ ظاهرة مثيرة للاهتمام، ولكن السبب الجذري له لا زال غير مؤكد. وهناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث، بغرض تقييم ما إذا كانت هناك أنواع أخرى ومواقع أخرى يحدث فيها انخفاض مماثل للحساسية لدرجة الحرارة، أم لا، والأهم.. بغرض بحث العديد من السجلات طويلة المدى الأخرى في جميع أنحاء العالم، إلى جانب أرصاد الأقمار الصناعية للحياة النباتية، والبيانات التجريبية، والفهم النظري.


تَظهَر الأوراق في الربيع، نتيجة لاستجابات ثابتة في الشفرة الوراثية للأشجار. وقد يشير هذا إلى أن استجابة الظواهر للمحركات البيئية يجب أن تكون قابلة للتنبؤ بدرجة عالية 15، ولكننا بعيدون عن وجود علم تنبؤي من علم الظواهر. ولذلك.. فالأرصاد مثل تلك التي قدَّمها فو وزملاؤه، والتي تتحدى النماذج والفهم المعاصر، تقطع شوطًا طويلًا نحو تَوَصُّلنا إلى ذلك العلم.


References

  1. De Réaumur, R. A. F. Mém. Acad. R. Sci. Paris 545–576 (1735).

  2. Lieth, H. Phenology and Seasonality Modeling (Springer, 1974).

  3. Bostock, J. & Riley, H. T. The Natural History of Pliny (Bohn, 1857).

  4. Le Quéré, C. et al. Nature Geosci. 2, 831–836 (2009).

  5. Fu, Y. H. et al. Nature 526, 104–107 (2015).

  6. Pachauri, R. K. et al. Climate Change 2014: Synthesis Report. Contribution of Working Groups I, II and III to the Fifth Assessment Report of the Intergovernmental Panel on Climate Change (2014).

  7. Richardson, A. D. et al. Agric. Forest Meteorol. 169, 156–173 (2013).

  8. Wolkovich, E. M. et al. Nature 485, 494–497 (2012).

  9. Richardson, A. D. et al. Global Change Biol. 18, 566–584 (2012).

  10. Friedl, M. A. et al. Environ. Res. Lett. 9, 054006 (2014).

  11. Parmesan, C. Global Change Biol. 13, 1860–1872 (2007).

  12. Zohner, C. M. & Renner, S. S. New Phytol. http://dx.doi.org/10.1111/nph.13510 (2015).

  13. Laube, J. et al. Global Change Biol. 20, 170–182 (2014).

  14. Fu, Y. H., Campioli, M., Deckmyn, G. & Janssens, I. A. PLoS ONE 7, e47324 (2012).

  15. Luo, Y., Keenan, T. F. & Smith, M. Global Change Biol. 21, 1737–1751 (2015).

1 view0 comments
bottom of page