الأشجار في عالم متغير
تغير المناخ أصبح حقيقة واقعة ولكن أثاره الضارة على الغابات والأشجار لم يتم استيعابها بشكل كامل حتى الآن. قبل بضعة سنوات فى مونتانا، ماتت كل أشجار الصنوبر بونديروزا Ponderosa pine ، وبعضها يبلغ عمره 200-300 عام. كان السبب المباشر للموت هو آفة تسمى خنفساء الصنوبر الجبلية، ولكن السبب الحقيقي أن مونتانا الآن نادرا ما يكون الطقس فيها بارداً بحيث يحد من نمو هذه الحشرات. والتى للأسف تنتشر بسرعة خلال غابات جبال روكي وهى الآن فى طريقها إلى غابات كندا.
نحن لا نعرف إلا القليل حول الأشجار والدور الأساسي الذي لعبته فى ترسيخ الحياة البشرية على هذا الكوكب، وبسبب أن المناخ يزداد دفئاً والطقس يزداد غرابة ، فإن الأشجار في ورطة كبيرة، تواجه الموت نتيجة الجفاف والأمراض والآفات وأيضاً على يد من يقطعون الاشجار بطرق غير مشروعة.
الأشياء التي لا نعرفها عن الأشجار كثيرة وهامة. فمن الذي سمع من قبل أن الأشجار تطلق هباءاً من مستخلصاتها في الهواء؟ هذه السحب الطبية هي مضادة للفيروسات والفطريات، ومضادات حيوية وتساعد على الحفاظ على صحة العالم الطبيعي. على سبيل المثال، النحل، يجمع هذا الراتنج الشافى من أوراق الصفصاف والحور ويستخدمها فى إحاطة خلاياه لحمايتها ضد الأمراض.
علماء يابانيون درسوا ما يسمى بـ "الاستحمام بالغابات forest bathing ". يقولون أن السير في الغابة، يقلل من مستوى المواد الكيميائية الخاصة بالإجهاد في الجسم ويزيد من الخلايا المفيدة في الجهاز المناعي. وتعمل البيئات الطبيعية في المدن على خفض القلق، والاكتئاب، وحتى معدل الجريمة.
تعتبر الأشجار مرشحات قوية لتنقية المياه ، وقادرة على تنظيف النفايات السامة، بما في ذلك المتفجرات، والمذيبات والنفايات العضوية، من خلال البيئة الكثيفة الميكروبات النافعة حول جذور الشجرة، وهي عملية تعرف باسم المعالجة الحيوية phytoremediation. أيضاً أوراق الشجرة تعمل على امتصاص وتنقية ملوثات الهواء، وجدت دراسة أن المزيد من الأشجار في الأحياء الحضرية ترتبط بإنخفاض حالات الربو للسكان.
الأشجار تقدم خدمة كبيرة للأسماك والكائنات البحرية الأخرى. فعندما تتحلل أوراقها، يتسرب منها أحماض عضوية إلى مجارى الأنهار والمحيطات فتعمل على تخصيب العوالق المجهرية microscopic plankton والتى هى غذاء الأسماك.
ثم هناك دور تلعبه الغابات في الطقس. وهذا الدور لم يفهم جيداً بعد ولكنه حيوي. على سبيل المثال الخبراء يلقون باللوم على الجفاف المدمر الآن بالبرازيل، نتيجة لإزالة الغابات.
تعتبر الأشجار هى الدرع الواقي من الحرارة . ببساطة زراعة الأشجار في مدينة يمكنه تبريد الأسفلت الساخن بنسبة 10 درجة مئوية. فهى تمتص ثاني أكسيد الكربون وهو الغاز المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري وأكبر مشكلة تؤرقنا فى العصر الحديث.
هناك بعض الأدلة، حيث يمكننا التحكم فى المناخ عن طريق الهندسة الجغرافية بواسطة زراعة الأشجار. وقد قام أحد الأساقفة في تنزانيا، بحث أبناء الرعية على زراعة آلاف الأشجار لتبريد الرياح الساخنة التى تهب عبر السهول، على أمل الحفاظ على ثلوج كليمنجارو من الذوبان، ومنع فقدان الماء.
إلى جانب معالجة مشكلة تغير المناخ نجد أن الأشجار، إذا ما استخدمت استراتيجياً كنوع من التكنولوجيا البيئية، قد تكون أفضل أمل لدينا لإصلاح الكوارث البيئية فى كوكبنا مثل استعادة الأنهار وموائل الحياة البرية، ولتعزيز الزراعة، وجعل النظم البيئية على كوكب الأرض أكثر مرونة في مواجهة عالم أكثر دفئاً.