تخضير الشوارع
دار الكثير من النقاش حول أهمية الشوارع وتشجيرها لصالح سكان المدن. كان هناك إهتمام ضئيل منذ عقود لدراسة تأثير الشوارع على المشاة، والدراجات الهوائية، ومستخدمي وسائل النقل والتجار وزبائنهم، وأيضاً على الأطفال. وبدلا من ذلك، تم دفع التوجه للتفكير في هذه الأماكن العامة بالغة الأهمية بوصفها بيئة لحركة وسائل النقل فقط. الشوارع ليست فقط وسائل النقل ولكنها أيضا محطات، وأماكن للتسكع والمشى على الأقدام، كما أنها أماكن لمشاهدة جمال الطبيعة ، وهى تحدد إلى مدى بعيد طبيعة وشكل مجتمع معين، ولماذا تختلف مدينة عن الأخرى.
ولكن هناك وسيلة بالغة الأهمية آخرى نحن بحاجة إلى النظر إليها لتحسين الشوارع، نحن بحاجة إلى إعطاء المزيد من التفكير لدراسة تأثيرها على النظم الإيكولوجية الطبيعية. في القرن الحادي والعشرين، تحتاج الأماكن العامة الرئيسية ليس فقط لأن تكون متكاملة الخدمات وجميلة ولكن أيضا خضراء من الناحية الايكولوجية، ويلزم أن تكون أماكن تحترم فيها الطبيعة وعناصرها.
لذلك بدأ التفكير على هذا الصعيد. وكانت أهم العديد من القضايا هى أن الشوارع ليست مجرد بيئة لحركة السيارات والبشر. لكنها أيضاً تستقبل جريان المياه الملوثة ومياه الأمطار التى تنتقل وتصب مباشرة فى أنظمة الصرف الصحي وفي نهاية المطاف وتلقي فى المجاري المائية. من بين الملوثات المتواجدة فى هذه المياه، المعادن الثقيلة والزيوت والشحوم والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والأسمدة من الحدائق الخاصة المجاورة وكذلك النفايات المنزلية.
المشكلة الأكبر في هذه العملية الضارة هي أن معظم أسطح الشوارع والأرصفة غير منفذة للمياه، من خلال تعريف خلق جريان المياه خلال هطول الأمطار بدلا من السماح لمياه الأمطار وذوبان الثلوج التي سيتم امتصاصها في التربة قبل أن تحمل الملوثات وتوصلها إلى المصب. في المدن القديمة حيث يتم الجمع بين أنظمة مياه الأمطار والصرف الصحي مياه الصرف الصحي، فإن الأمطار الغزيرة لاتستوعبها شبكة الصرف الصحى مما يؤدى لانسدادها وحدوث طفح فى الشوارع والطرق.
في حين أن الأسطح الأخرى مثل أسطح المنازل ومواقف السيارات، على سبيل المثال تعتبر أسطح غير منفذة أو منيعة لمستجمعات المياه، في وسط المدن والمناطق الحضرية وهى الأماكن الأكثر عرضة للمعاناة من تلوث الممرات المائية . وتقدر مدينة فيلادلفيا أن 38 % من الأسطح المنيعة داخل حدودها تتمثل فى أرصفة الشوارع. وعلاوة على ذلك، حتى في الحالات التي ينشأ بها جريان المياه في أماكن أخرى، فإنه غالباً ما تنتقل تلك المياه وتتدفق في أنظمة الصرف بشوارع المدينة. وتقدر وكالة حماية البيئة الاتحادية أن أكثر من 10 تريليونات جالون من المياه غير المعالجة في المدن والضواحي تأخذ طريقها إلى قنوات المياه السطحية كل عام وتدمر الثروة السمكية وتغير بيئة التدفق والهيدرولوجيا..
والخبر السار هو أن هناك إجابة، وأنه يمكن جعل مجتمعاتنا أكثر جمالاً ولطفاً وتميل إلى الطبيعة عن طريق تصميم المناظر الطبيعية ومواد الرصف التى تمتص وتنقي مياه الأمطار قبل أن تصبح مصدراً للمياه الملوثة. يتم استغلال الأرصفة في المدن لإنشاء البنية التحتية الخضراء الخاصة بمياه الأمطار وتشمل غرس الأشجار والحدائق المطرية ومستجمعات المياه والبلاط المفرغ، وغير ذلك.
هذه الممارسات لا تكافح التلوث فحسب، بل أيضاً تساعد في تقليل تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية مما يقلل الحاجة إلى مكيفات الهواء وزيادة إستهلاك الطاقة، وتخفيف الفيضانات، وإعادة شحن المياه الجوفية، وتجميل الأحياء، وزيادة قيمة العقارات. في أفضل الحالات، يتم دمج هذه الممارسات مع البنية التحتية للشوارع بحيث يمكن أن تصبح الشوارع "أكثر اخضرارا" بطرق متعددة. كما أنها توفر الموارد المالية الشحيحة لإضافة وتحسين "البنية التحتية الرمادية" في شكل الأنابيب الخرسانية وأنظمة الصرف الصحي.
في بورتلاند، أوريجون، على سبيل المثال، تبنت المدينة سياسة الشوارع الخضراء لتعزيز ودمج استخدام مرافق تخضير الشوارع في التنمية العامة. وقد برز عدد من المشاريع على أرض الواقع نتيجة لذلك، بما في ذلك الشارع الأخضر الذي يربط مرتفعات بورتلاند الغربية بنهر يلاميت. وقد تم تصميم المشروع لتعزيز تجربة المشاة وكذلك إدارة مياه الأمطار، والذى نال فى عام 2012 جائزة من الجمعية الأمريكية لمهندسي المناظر الطبيعية.
يدل مخطط هذا المشروع على أنه في أكثر المدن فائقة الحضر، يمكن التخطيط وتحديث شوارع وسط المدينة وتعديلها ليس فقط لإدارة جريان مياه الأمطار ولكن لإنشاء ودمج والحفاظ على أماكن المشاة نابضة بالحياة. ووضع المصمم الأولوية لخلق درجة عالية من التكامل بين المشاة وتصميم الشوارع التي تضم مجموعة متنوعة من استراتيجيات البنية التحتية الخضراء بما في ذلك مستجمعات مياه الأمطار وجور الأشجار وأصص النباتات والزهور والجدران الخضراء، والأسطح الخضراء وتصميم الشوارع بدون بردورات curbless street design.
وقد تم تصميم المشروع، والذي يوظف العديد من التقنيات المذكورة أعلاه ويتم تنفيذها على مراحل، كما يتم معاملة 1.8 مليون جالون من مياه الأمطار السطحية. يتم إعطاء المشاة أولوية في جميع أنحاء الممر.
تعتبر فيلادلفيا مدينة أخرى تطبق سياسة الشوارع الخضراء وسياسات البنية التحتية الخضراء الطموحة عموما حيث أصدرت في العام الماضي دليل لتصميم الشوارع الخضراء فى 95 صفحة (بالإضافة إلى 110 صفحة أخرى من الملاحق التفصيلية). ويتضمن الدليل مبادئ توجيهية ومواصفات مصورة لمطابقة معينة الحي والطريق الظروف لممارسات التخضير لإفساح المجال لهندسة المناظر الطبيعية الخضراء وأيضا جعل معابر المشاة أسهل وأقصر.
عملت إدارة المياه فى فيلادلفيا بشكل وثيق مع مكتب رئيس بلدية النقل والمرافق، وإدارة شوارع، وغيرها من المرافق العامة، لتطوير القوالب المرنة بما فيه الكفاية لكى يتم تطبيقها على مجموعة متنوعة من الظروف في شوارع المدن .
المدن هامة للطبيعة، لأن أنماط التنمية والمعيشة المدمجة تساعد في الحفاظ على مستجمعات المياه والنظم الإيكولوجية الطبيعية خارج حدود المدينة. دون وجود المدن المدمجة، يصبح الريف مجزأً بطرق مناقضة لعمل النظم الطبيعية (وكذلك لجمال المناظر الطبيعية)، وهذا هو السبب فى أن تمدد الضواحي يمثل كارثة على الطبيعة.
ولكن الطبيعة هي أيضا مهمة للمدن، لأنها تجعل المدن أكثر جمالا، وسلسة، ومضيافة. هناك عدد هائل من البحوث تظهر بلا شك أن صحتنا العقلية والجسدية تتحسن في وجود الطبيعة الحضرية. إلا أن التحدي في المدن رغم ذلك، هو جلب الطبيعة إلى البيئة الحضرية بطرق داعمة بدلا من الاستعناء عن التحضر.
المرجع: إضغط هنا