الدكتور لطفى بولس ... عالم النباتات الموسوعى
الأستاذ الدكتور لطفى بولس قامة شامخة فى مجال تخصص هام، يعرفه العالم من أعماله الموسوعية ويعرفه أصدقاؤه بتواضعه الجم وإنفاقه كل ما يملك على أبحاثه، ومنها السفر سنويًّا لاستكمال دراساته فى الخارج والإنفاق على طبع موسوعته عن نباتات مصر. وها هو قد رحل فى 27 أبريل 2015 فى صمت دون أن تكرمه الدولة، مع إنه حصل على الميدالية الذهبية فى 2013 من منظمة منطقة البحر الأبيض المتوسط لبحوث تصنيف النباتات OPTIMA، وعلى جائزة وزراء البيئة العرب، بجامعة الدول العربية فى مجال التنوع البيولوجى عام ١٩٩٦، وله أكثر من ١٢٠ بحثًا فى مجال تصنيف النبات والفلورا كما ألف 15 كتابًا منها «التنوع النباتى فى مصر»، و«الأعشاب الشائعة فى مصر»، و«أشجار الشارع فى مصر»، و«النباتات الطبية فى شمال إفريقيا» وكان من أهم الأعمال التى أفنى حياته وماله فيها «موسوعة نباتات مصر» فى أربعة مجلدات مزدانة برسومات أصلية للنباتات، وهو إنجاز ضخم لعالم واحد -عمل يحتاج إلى مؤسسة ضخمة قام به وحده وأنفق عليه ما يحتاج ذلك من رحلات ودراسات وإخراج وطباعة يستحق عليه بجدارة جائزة النيل.
اكتشف الدكتور لطفى بولس أكثر من عشرين نوعا وجنسا نباتيا فى جزر الكنارى وأستراليا ونيوزيلاندا وإفريقيا وآسيا والعديد من الدول العربية، كما اكتشف العديد من الأجناس والأنواع النباتية الجديدة على الفلورا فى المنطقة العربية. ومنه أهم اكتشافاته «نخيل العرجون» الذى كان يعرف فقط من ثماره التى وجدت فى بعض مقابر قدماء المصريين. ولأول مرة فى التاريخ عثر لطفى بولس على مجموعة حية من نخيل العرجون «Medinia» فى واحة دُنجل بالصحراء النوبية على بعد 160 كيلومترا من أسوان فى نوفمبر 1963.
وقد لقى الدكتور لطفى بولس تكريما خاصا من علماء العالم الذين أطلقوا اسمه على ما اكتشفوه من أنواع نباتية جديدة مثل:
Zygophyllum boulosii, Atractylis boulosii , and Crocus boulosii.
ولد لطفى بولس فى قنا عام 1932 وتخرج فى كلية العلوم جامعة القاهرة 1954، وحصل على درجة الماجستير فى النبات من نفس الجامعة فى 1961، وبعدها حصل على الدكتوراه من جامعة مونبيليه فى فرنسا فى 1963. وانطلق بعد ذلك فى مشوار علمى حافل جاب فيه بلدان العالم وقدم لمصر والبشرية بحوثا ودراسات فى مجال تخصصه الذى يشمل تصنيف وتوثيق ووصف النباتات البرية وجمعها ودراسة فوائدها الاقتصادية، بما يعود بالنفع على المجتمعات وصون التنوع البيئى والحفاظ على الثروات النباتية.
كان الدكتور لطفى بولس الخبير الدولى فى تصنيف النباتات بالمناطق الجافة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وعمل فى السلك الجامعى أستاذ تصنيف النبات بقسم النبات- كلية العلوم، جامعة الإسكندرية، وأستاذ علم النبات كلية العلوم، جامعة الكويت والجامعة الأردنية، وأستاذ باحث بالمركز القومى للبحوث بالقاهرة.
ترأس وشارك الدكتور لطفى بولس فى العديد من البعثات العلمية النباتية فى مصر ومنها الجلف الكبير وجبل العوينات وجبل علبة والنوبة، وفى جزر الكنارى، وجزيرة ماديرا، وقبرص، وإثيوبيا، وكينيا، ومالى، والسودان، وزمبابوى، وليبيا، وتونس، والمغرب، وقطاع غزة، والأردن، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات العربية، واليمن، والكويت، وسوريا.
وشارك لطفى بولس فى إعداد موسوعة النباتات المزروعة فى العالم تحت رعاية الجمعية الملكية البريطانية للبساتين، وهى من أربعة أجزاء نشرتها «دار ماكميلان». وعمل عضو لجنة الحدائق الملكية البريطانية لإعداد موسوعة (فلورا العالم).
جمع لطفى بولس فى حياته الحافلة آلاف العينات النباتية وأسس المجموعات النباتية الوطنية فى طرابلس بليبيا، والأردن، والكويت مما يعد من مفاخر حياته العلمية لما يتطلبه ذلك من مثابرة ومجهود خارق للعادة، وكان بذلك سفيرا فوق العادة لمصر فى البلاد العربية بعلمه الوافر وجهده الفائق ودماثته المحببة.
والمركز العالمى لبحوث الماشية بأديس أبابا بإثيوبيا، وجامعة عدن باليمن والمركز القومى للبحوث بالدقى القاهرة. كما أسهم بالآلاف من العينات النباتية فى معشبة جامعة القاهرة والمتحف الزراعى بالدقى ومركز بحوث الصحراء بالمطرية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة بالسعودية. كما أنه كان عضوا مؤسسا للجمعية النباتية المصرية منذ عام ١٩٥٤، وعضوا مؤسسا للجمعية البيولوجية الاستوائية، وعضو الاتحاد العالمى لتصنيف النبات، وعضوا فى معظم الاتحادات والهيئات والجمعيات الدولية النباتية المنتشرة فى دول العالم.
كان الدكتور لطفى بولس إنسانا متواضعا ذا خلق رفيع. لا يبخل قط على أحد بمعارفه وكان محبوبا من جميع من عملوا معه. لم يكل عن العمل حتى آخر لحظة من حياته ليصدر منذ شهرين كتابه «رحلتى الأولى إلى جبل العوينات ١٩٦٨»، وهو الكتاب الذى أهداه إلى روح أحمد حسنين باشا الذى اكتشف الجبل عام ١٩٢٣.
الدكتور لطفى بولس قامة علمية شامخة من جيل لا يعوض قدم كل ما يستطيع من جهد ليضيف جديدا إلى معارفنا ولم يثنه عن ذلك ما لم يلقاه من تكريم يليق به فى بلده. سيكون عارا على المؤسسات العلمية فى مصر إن لم تكرم ذكراه، لتعرف الأجيال المعاصرة أن هناك مَن يقدر مجهوداتهم التى لن تنهض مصر من دونها.
.
المصدر:
فكري حسن.
جريدة التحرير.