الأشجار هى البنية التحتية للصحة العامة
زراعة الأشجار هى وسيلة رخيصة بشكل لا يصدق وبسيطة لتحسين رفاة الناس في المدينة. لذلك ينبغي أن تقوم مؤسسات الصحة العامة بتمويل المساحات الخضراء الحضرية لدعم الرفاهية وجودة الهواء.
أنظر إلى الشوارع التى تصطف على جانبيها الأشجار في وسط مدينة مزدحمة. أنها تبدو وكأنها كنز ثمين، فهى باردة، وهادئة ومحمية من الضوضاء ووهج الرصيف والأسفلت.
ويذكر تقرير جديد من صندوق الحفاظ على البيئة ، أن هذه الشوارع ذات الأشجار المورقة لا يمكن أن ينظر إليها على أنها ترف. فالأشجار هي أدوات الطاقة المستدامة: فهي نظيفة وتبرد الهواء، وتنظم درجات الحرارة، وتواجه تأثير إرتفاع درجة الحرارة الحضرية، heat island وتدعم نوعية المياه الجيدة وتتحكم فى تدفقها. نعم، أنها تبدو جميلة، ولكنها أيضا تقدم فوائد صحية (عقلية وبدنية) قابلة للقياس لسكان المدينة الخرسانية. لذا، مع وجود أدلة تدعم جميع فوائد المساحات الخضراء الحضرية، طرح هذا التقرير، سؤالاً حول كيف تطور المدن السياسات المالية بصورة مبتكرة لزراعة المزيد من الأشجار.
إنها مسألة ملحة بشكل خاص الآن، لأنه على الرغم من وجود الأدلة القوية التي تشهد على الفوائد البيئية والصحية للأشجار الحضرية، فإن وجودها آخذ في الانخفاض بالمدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة (حوالي 4 ملايين شجرة حضرية تموت أو تختفي كل عام)، وقد فشلت جهود إعادة الزراعة ، على الرغم من أن دراسة أجريت عام 2016 في ولاية كاليفورنيا أجرتها دائرة الغابات الأمريكية ووجدت أن كل دولار واحد ينفق على زراعة الأشجار يضيف حوالي 5.82 دولار في المنافع العامة.
لأن الأشجار الحضرية غالبا ما تكون مدرجة في الفئة "الفاخرة" أو المستوى المميز في بنود ميزانية المدينة وبالتأكيد ستكون أقل أولوية فى تمويل بنود السلامة العامة وصيانة البنية التحتية التى غالباً ما تكون غير كافية، وتفشل في إعتبار الأشجار استثمار طويل الأجل. يقول روب ماكدونالد، أستاذ مدن والمؤلف الرئيسي للتقرير: إن المعدل القياسي للاستثمار في الأشجار حوالي ثلث ميزانية المدينة. يقول ماكدونالد: "لا يكفي الحديث عن سبب أهمية الأشجار للصحة. "علينا أن نبدأ الحديث عن الأسباب النظامية التي تجعل من الصعب جدا على هذه القطاعات أن تتفاعل مع بعضها، كيف يمكن لقطاع الغابات الحضرية أن يبدأ في الحوار مع القطاع الصحي، وكيف يمكننا خلق روابط مالية بينهما".
ويقدر أن رأس المال اللازم للحفاظ على الغابات الحضرية الحالية، وزيادة مساحتها إلى النقطة التي تحقق الفوائد الصحية المرجوة، يتطلب استثمارا سنوياً، حوالى 8 دولار للشخص الواحد في المتوسط، وهو مبلغ يبلغ ضعف ميزانية البلدية الحالية لزراعة الأشجار. وهذا الرقم افتراضي، ويقصد به أن يقترح ألا يكون تمويل الأشجار في الواقع من المقيمين في الولايات المتحدة، ولكن المشروع يقع في نطاق القدرة على تحمل التكاليف.
يتسائل ماكدونالد، ماذا لو أن التمويل يمكن أن يأتي من قطاع الصحة؟ وجدت دراسة أجريت في عام 2013 أن الأشجار الحضرية تزيل ما يكفي من الجسيمات الصلبة من الهواء مما يسبب خفض يصل إلى 60 مليون دولار في ميزانية الرعاية الصحية على مستوى المدينة. وإذا زاد الإنفاق على الصحة العامة في المدن بنسبة 0.1 % فقط أو 10 دولارات للشخص الواحد، من شأنه أن يخلق استثمارات عامة كافية لتمويل صيانة وزيادة مساحة الغابات الحضرية وتحقيق الفوائد الصحية. مرة أخرى، هذا مجرد نموذج تقريبي، ولكن معاملة الأشجار كبنية تحتية تدعم الصحة العامة، في نهاية المطاف يمكن أن يقلل من الحاجة إلى الإنفاق في هذا القطاع.
هناك تضارب في هذه الفكرة، ينبع من حقيقة أنه في حين أن مجالس المدن هي الجهة التي تدفع ثمن الأشجار، فإنها لا تشرف بالضرورة على الإنفاق على الصحة. وغالباً ما يقع ذلك على عاتق الدولة، أو شركات التأمين. يقول ماكدونالد: "لكن أحد الأهداف الرئيسية لهذا التقرير هو الحصول على مجموعة متنوعة من الهيئات الصحية لكي تدرك أنها يجب أن تشارك في حوار التخضير الحضري". والواقع أن قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة قد أنشأ صندوقاً للوقاية بإجمالى 16 مليار دولار ليتم توجيهه إلى المجتمعات المحلية التي تعمل على نطاق واسع مع المبادرات الداعمة للصحة؛ والتى يمكن أن تندرج تحت هذا المجال. وأعلنت شركة كايزر بيرماننت، وهي شركة تأمين كبيرة في شمال كاليفورنيا، في العام الماضي استثماراً بقيمة مليوني دولار في الحدائق العامة في المجتمعات المنخفضة الدخل.
تنويع مصادر التمويل من أجل تخيضر المناطق الحضرية واعتبار الأشجار كاستثمار صحي، يمكن أيضا أن يبدأ في سد الفجوة الاجتماعية -الاقتصادية لتنمية المتنزهات والمساحات الخضراء أيضا. ووجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في عام 2013 أنه بالمقارنة مع السكان البيض، كان من الأرجح أن يعيش السكان السود بنسبة 52٪ قى أحياء المدينة الأقل تظليلاً بالأشجار، وبالتالى تكون أكثر سخونة، ولديهم فرص أقل للتواجد فى المساحات الخضراء. ويقول ماكدونالد إن الأغنياء غالباً ما يكونون أكثر عرضة لتقديم طلبات تخضير فى الأحياء التى يقطنون بها.
خلق مدن أكثر اخضراراً لا يمكن أن يكون مسؤولية القطاع الصحي وحده؛ ويقول ماكدونالد أنه سيكون من الأهمية بمكان لمسئولى الغابات الحضرية أن يدمجوا بشكل كامل الفوائد الصحية للأشجار في الرسائل والأهداف التى يوجهونها للناس من أجل كسر العزلة بين هيئات وإدارات المدينة والتواصل بشكل أكثر فعالية مع الإدارات الصحية والتخطيط الحضري. وبطبيعة الحال، مع تزايد عدد المدن التي تضع استراتيجيات لزيادة القدرة على الصمود أمام تغير المناخ، ستكون الأشجار الحضرية السليمة عنصراً ضرورياً للغاية.