الغطاء الشجري يزيد من مخزون المياه الجوفية
نادراً ماتخالف دراسة الرأي السائد تماماً، وتقدم أملا في تحسين حياة مئات الملايين من البشر، ولكن هذا هو بالضبط ما حدث من إحدى الدراسات البحثية في إطار برنامج المجموعة الاستشارية في مجال الغابات والأشجار والزراعات الغاباتية، التي نشرت مؤخراً، لفهم طبيعة الأشجار والمياه في المناطق الجافة.
في الأماكن القاحلة حيث المياه شحيحة، غالبا لايتم تشجيع السكان على زراعة الأشجار نتيجة الاعتقاد بأن الأشجار دائماً تقلل من توافر المياه التي تشتد الحاجة إليها. لكن إكتشف العلماء الذين يعملون في بوركينا فاسو أنه عند تواجد عدد معين من الأشجار، تزداد كمية المياه الجوفية بالفعل.
وتعد هذه الدراسة "تغييراً لقواعد اللعبة"، وفقا لأحد معدي الدراسة، دوجلاس شيل، وهو أستاذ في الجامعة النرويجية لعلوم الحياة وأحد كبار الباحثين المشاركين في مركز البحوث الحرجية الدولية (CIFOR). واضاف "ومن المثير جدا أن هذه الدراسة تقلب تماماً الطريقة التي كنا ننظر بها للأشجار وتوافر المياه."
فى السابق، إختبر عدد قليل من الدراسات الغطاء الشجري في المناطق الاستوائية ، الغطاء الشجري متوسط التأثير على عائدات المياه. واستنادا إلى فكرة أن الأشجار يمكن أن تحسن من حركة المياه في التربة، عمل العلماء مع نظرية "الغطاء الشجري الأمثل" التي من شأنها أن توفر أكبر قدر ممكن من المياه الجوفية.
أدمج البحث وجهتا نظر متضادتين حول الغابات والماء هما "نظرية المفاضلة " و"نظرية الإسفنج. "نظرية الإسفنج" ترى أن الغابات تمتص المياه خلال موسم الأمطار وتفرج عنها ببطء خلال موسم الجفاف، وبالتالي يتم الحفاظ على تدفق تيار المياه مستمراً أثناء فترات الجفاف، في حين أن "نظرية المفاضلة" والتي أصبحت سائدة تذهب الى أن زراعة المزيد من الأشجار يساوي كمية أقل من المياه الجوفية فى التربة. كلا النظريتين صحيحتين إلى حد ما، ولكن ما تبين من الدراسة هو أن الأثر الصافي من الأشجار على تغذية المياه الجوفية يعتمد على درجة "الغطاء الشجري"، وهكذا يمكن للأشجار أن يحسن تغذية المياه الجوفية إلى حد ما.
عن طريق اختبار مستويات المياه الجوفية القريبة والبعيدة من الأشجار على حد سواء في البيئة الطبيعية شبه القاحلة على مدى عدة سنوات، وجد الباحثون أن المساحة المتوسطة من الغطاء الشجري تخلق الظروف التي تزيد من المياه المتاحة مما لو لم يكن هناك أشجار أو كانت موجودة بأعداد كبيرة.
فى عدم وجود أشجار، فإن هذه التربة الاستوائية الحساسة تفقد مسامها الواسعة، المسؤولة عن وصول المياه إلى اسفل التربة الأرض بسرعة ، وبدون هذه المسام تتدفق المياه بعيدا عن سطح التربة أو تتجمع على سطح التربة المدمجة وتتبخر. ايضاً إذا كان هناك الكثير من الأشجار، فإنها تستهلك كميات من المياه تفوق ما اكتسبته هذه التربه. وتشمل العوامل الأخرى التي تؤثر على توافر المياه أنواع الأشجار، ونوعية التربة وحالتها والمناخ السائد.
وهذا يعني أن الناس يمكن أن تستفيد من العديد من السلع والخدمات التي توفرها الأشجار في حين نرى أيضا توافر المياه الجوفية الضرورية لحوالى 340 مليون شخص في أفريقيا يفتقرون إلى مصادر كافية وصحية للمياه، كما أن هناك العديد من الفوائد منها مايلى:-
منافع الأشجار
فوائد الموسمية للأشجار في المناطق المدارية الجافة للناس في حياة الناس اليومية لا تعد ولا تحصى ومتنوعة. على وجه الخصوص، في منطقة الدراسة "سابونى" في بوركينا فاسو، تنتشر أشجار الشيا Shea trees، وبالتالى يتوفر للسكان المحليين المزيد من المكسرات التى يمكنهم التغذية عليها أو بيعها لتوفير مصروفات حياتهم. الأشجار أيضا تدعم السيطرة على تآكل التربة وتحافظ عليها من النحر كما تخفف من آثار تغير المناخ.
مع وجود المزيد من الغطاء الشجري، سوف يتوفر أيضا فوائد أخرى مثل التنوع البيولوجي وحبس الكربون وتوافر خشب الوقود الذى لم يكن موجوداً من قبل. مساحات كبيرة من المناطق المدارية الجافة تكون خالية من الغطاء الشجري، وسيكون من المفيد وجود المزيد من الأشجار، لأنه سيتيح للناس المزيد من الفرص للحصول على الحطب والفواكه والعديد من المزايا الأخرى.
نتائج الدراسة تمكن السكان من مراقبة وإدارة مثل هذه الظروف عن طريق زراعة المزيد من الأشجار، كما أنها تقدم الفرصة للمنظمات المانحة لبدء العمل لدعم إدارة الأراضي بزراعة الأشجار في المناطق المحرومة من المياه. على سبيل المثال، هذا البحث في غاية الأهمية لجهود استعادة الأراضى القائم على الشجرة والتى تتم في منطقة الساحل، مثل مبادرة الجدار الأخضر الكبير أو مبادرة استعادة البيئات الطبيعية للغابات فى أفريقيا (AFR100).
تحقيق أهداف التنمية المستدامة
الهدف السادس من الأهداف الإنمائية المستدامة (SDGs) هو زيادة فرص الحصول على المياه النظيفة، مع الاعتراف بأن الماء هو شرط أساسي من حقوق الإنسان. وتشير الدراسة إلى أن البيئات الطبيعية مثل تلك التى درست في بوركينا فاسو حيث يقطنها بعض من أفقر السكان في العالم، فإن ندرة المياه لاتحد فقط إنتاج الغذاء والتغذية والصحة، ولكن أيضا تقلل من فرص التعليم والعمل وتحسين سبل المعيشة. ويعتقد الباحثون أنه يمكن الاستنتاج بأن زيادة الغطاء الشجري في المناطق المدارية الجافة يمكن أن يزيد فرص حصول السكان على المياه الذى سيكون له أثر كبير على حياتهم.