الأراضي الرطبة الساحلية تتفوق في تخزين الكربون
البيئات الشاطئية تبدو أكثر إشراقا عن النظم الإيكولوجية البحرية الأخرى بالنسبة للتخفيف من تغير المناخ
تغطي غابات المانجروف حاليا 14-15 مليون هكتار في جميع أنحاء العالم، ولكن تختفي بشكل مطرد. هذه الغابات الساحلية تمتص ما يقدر بحوالى 31-34 مليار كجم من الكربون سنويا، مما يجعلها قوىة فى تخزين الكربون. يضيف البشر إلي الغلاف الجويثاني أكسيد الكربون باستمرار، لذا أصبح التخلص من غازات الاحتباس الحراري الزائدة أولوية كبرى. يبحث العلماء منذ زمن عن طرق جديدة لإزالة الكربون من الغلاف الجوي وحبسها بشكل آمن لآطول فترة زمنية ممكنة.
معلوم أن قدرة المحيطات على امتصاص الكربون تشبه الإسفنج ، ولكن يتطلع الباحثون الآن بنظرة جديدة على شواطئ المحيطات. يمتلك كوكبنا حوالي 620 ألف كيلومتر من السواحل، والتى تعتبر طويلة بما يكفي إحاطة الأرض حوالى 15 مرة تقريباً.
في دراسة حديثة في دورية Frontiers in Ecology and the Environment، حلل الباحثون الطرق المتعددة لالتقاط الكربون في النظم الإيكولوجية البحرية ، والتى تعتبر خزان يطلق عليه "الكربون الأزرق". ووجد الباحثون أن أشجار القرم الساحلية، والأعشاب البحرية، ومستنقعات المد والجزر، أو الكربون الأزرق الساحلي، تقدم وسيلة فعالة لتخزين الكربون لأمد طويل.
ضغط اتفاق باريس 2016 على الدول التي الموقعة عليه لتحقيق أهداف الكربون وإيجاد أفضل السبل لعزل الكربون. هناك العديد من الحلول، ولكن تحديد أكثرها فعالية (سواء كانت المحيطات أوالغابات أو أشجار المانجروف أو زراعة اعشاب البحر)، يمكن ان تكون شاقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الدراسات تستخدم الجداول الزمنية أو القياسات المختلفة، مما يشوش مقارنات تخزين الكربون.
قالت جنيفر هوارد، الباحث الرئيسي للدراسة من أرلينجتون بولاية فيرجينيا "تأخذ النباتات الأرضية الكربون من الجو وتخزنه في الأوراق والجذور والفروع. وعندما يزال الغطاء النباتي من فوق سطح الأرض، يبدأ تحرر الكربون من أجزاء النباتات المقطوعة بسرعة، وينطلق في الجو. لكن الأمر ليس كذلك في الأراضي الرطبة الساحلية. حيث تتشبع التربة بالمياه المالحة بفعل المد والجزر مرتين في اليوم في غابات المانجروف والمستنقعات كما تكون مشبعة بالمياه المالحة بشكل مستمر في النظم الإيكولوجية للأعشاب البحرية المغمورة على الدوام. ومعلوم أن الغمر بالمياه المالحة يمنع الميكروبات من القيام بدورها فى تحلل بقايا النباتات المقطوعة، الموجودة على سطح التربة. يلاحظ الباحثون أن 50٪ - 90٪ من تخزين الكربون الأزرق الساحلي يحدث في التربة، وليس فى أجزاء النباتات. حيث يمكن رؤية أوراق خضرية سليمة لم تتحلل على عمق 3 أمتار أسفل التربة، مما يعنى أن الكربون مستقر.
الغطاء النباتي المدفون أو المحبوس في تربة الكربون الزرقاء الساحلية يمكن أن يظل لمئات السنين وعلى عمق عدة أمتار. على النقيض من ذلك، أعشاب البحر، التي تنمو أيضا في الغابات الساحلية، تفتقر إلى المجموع الجذرى المنتشر الذي يقوم بحجز حطام النباتات والرواسب التي تجعل التربة غنية بالكربون مثل أراضي المانجروف، لذلك فإن الكربون يحتجز لوقت قصير في أعشاب البحر الحية فقط والتى يعيبها قصر دورة حياتها نسبياً ثم ينطلق بعد ذلك إلى الجو بعد موتها.
وقالت هوارد أن عشب البحر وكائنات أخرى تحبس الكربون (مثل العوالق النباتية phytoplankton، والمرجان، والسمك). أجرت هى وزملاؤها بحوث مؤخرا لدراسة قدرات تلك الكائنات والأراضي الرطبة الساحلية على حبس الكربون. واستخدام نفس وحدة القياس والجداول الزمنية لمقارنة الكربون الأزرق الساحلي للنظم الإيكولوجية المختلفة مثل الهائمات النباتية وعشب البحر. تلاحظ هوارد أنه على الرغم من أن كل النظم الإيكولوجية للمحيطات مهمة إلا أن الكربون الأزرق الساحلي (غابات المانجروف) تأتى في موقع الصدارة، ليس فقط في طول المدة التي يمكن فيها الاحتفاظ بالكربون ولكن أيضا في مقدار ما يمكنها حبسه من الكربون.
تؤكد الدراسة أن نظم الكربون الأزرق الساحلية هذه هي النقاط الساخنة لتخزين الكربون، بالإضافة إلى ذلك، تلك النظم الإيكولوجية الساحلية لديها القدرة على أن تدار للحفاظ على وتوسيع حدودها، وبالتالي تأثيرها على انبعاثات الكربون والتخفيف آثار تغير المناخ.
ووجدت الدراسة أن أشجار المانجروف ومستنقعات المد والجزر والأعشاب البحرية تحبس وتخزن الكربون بمعدل 2-35 مرة سنوياً أكثر من الكربون من العوالق النباتية الموجودة في المحيطات. وغالبا ما يتم تحديد مناطق الكربون الأزرق الساحلية باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد، والتي تقوم الأقمار الصناعية بعمل صور مسح ضوئى للأرض ثم تقسم السطح إلى مساحات نقطية pixelated blocks ، وفي تلك الصور من الصعب جداً التمييز بين المستنقع من الحقل وأحيانا الأرض العارية من النباتات. وهذه المسألة تحتاج إلى بيانات ذات دقة عالية، لذلك رسم الخرائط للأعشاب البحرية بواسطة الاستشعار عن بعد، هو أقرب إلى المستحيل لأنها تعيش تحت الماء.
أشار الباحثون إلى أن الدول التى توازن انبعاثاتها من خلال تعزيز النظم الإيكولوجية للكربون الأزرق الساحلي، يمكنها أيضا الحصول على فوائد أخرى. هذه النظم الإيكولوجية تساعد على تعزيز التنوع البيولوجي والسياحة والثروة السمكية، والحماية من الأعاصير والعواصف.
وفقا لمبادرة الكربون الأزرق ركز أحد البرامج العالمية حاليا على النظم الإيكولوجية الساحلية باعتبارها حصناً ضد تغير المناخ، نظراً لاختفاء 50٪ من غابات المانجروف في العالم على مدى 50 عام الماضية. يسمح اختفاء المانجروف بتفكك طبقات تربة الكربون الأزرق السميكة، والتي يتم غسلها بعيداً، وتحرر الكربون الحبوس بها مرة أخرى إلى الغلاف الجوى. كما أنه يلغي دور غابات المانجوف فى صد العواصف البحرية الشديدة وترك المجتمعات الساحلية أكثر عرضة لاتدمير الشديد والبرد القارس. إدارة واستعادة أشجار المانجروف يساعد على موازنة انبعاثات الكربون وفى نفس الوقت توفر الموائل الهامة للأسماك، وتحسن النظام الإيكولوجي، وتحافظ على الأراضي الساحلية من التدهور.
أنظمة الكربون الزرقاء الساحلية هي أيضا قابلة للتكيف مع تقلبات مستوى سطح البحار، طالما أن التغييرات ليست سريعة جدا. لذلك يمكنها بناء تركيبها وزيادة ارتفاع التربة مع مرور الوقت.
وأشارت هوارد إلى أن 150 دولة التى وقعت على إتفاق باريس تمتلك أراضي الرطبة الساحلية، ولكن فقط 29 منها نتحدث حالياً عن تخفيف البيئة الساحلية. والآن بعد نشر هذه الدراسة الجديدة، هى تأمل في ان تبعث مزيد من الاهتمام في هذا المجال. على الدول أن تدرك أن الكربون الأزرق الساحلي هو بالوعة كبيرة تساهم بشكل فعال وحيوى فى الحفاظ على كوكبنا وتكافح التغيرات المناخية.