الأسماك تبقى هذه الغابات على قيد الحياة
إذا كانت غابات أمريكا الجنوبية هي رئة العالم، يجب أن تكون أنهارها وأراضيها الرطبة بمثابة عروقها وشرايينها. فأمريكا الجنوبية هي القارة الأكثر تنوعًا عندما يتعلق الأمر بحياة النباتات، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى الأسماك التي تسبح فى قنواتها المائية.
تستهلك أسماك المياه العذبة حوالي 600 نوع من النباتات الاستوائية. وتعد أكبر الأسماك التى تتغذى على ثمار الأشجار في منطقة بانتانال البرازيلية مسؤولة بشكل غير مباشر عن تقشير بذور هذه الثمار وتزايد انتشارها بالموائل. خلال فصول الصيف الوافرة ، غالبًا ما تفيض الأشجار المتاخمة للأراضي الرطبة بالمياه فتتساقط الفاكهة التي تبتلعها الأسماك ، ثم تمر عبر فضلاتها فى مواقع أخرى. أكبر الأسماك لديها أكبر معدة وإمكانية أكبر لتشتت البذور. لذلك نجد أن حوالى 95 % من أنواع النباتات الخشبية في الغابات الاستوائية تنتشر بهذه الطريقة.
أظهرت دراسة حديثة نشرت فى دورية Biotropica فى عام 2018 أنه عندما يتم القضاء على هذه الأسماك الكبيرة الآكلة للثمار من النظام البيئي ، فإن "الصيادون" يتجهون لصيد الأسماك الصغيرة مما يوجد نتائج قاسية على انتشار البذور وإنباتها. وبشكل أساسي، تخرج الأسماك الكبيرة البذور الكاملة من خلال برازها بينما تخرج الأسماك الصغيرة البذور مهشمة نتيجة المضغ. على سبيل المثال، 63% من البذور التي أحصيت في معدة السردين (من الأسماك الصغيرة) تم تحطيمها عن طريق المضغ.
تقول الكاتبة المشاركة في الدراسة، ساندرا كوريا الأستاذ المساعد في قسم الحياة البرية وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية في جامعة ميسيسيبي: "قبل سبعين مليون سنة كانت هناك غابات بالفعل في الأمازون والبانتانال. وهذا يعني أنه خلال 70 مليون عام تفاعلت تلك الأسماك مع الثمار وساعدت النباتات على التنوع ".
وقد أثبتت أبحاث كوريا السابقة في بانتانال والأمازون أن الإفراط في الصيد بنسبة تصل إلى 90 % بالنسبة لبعض أنواع الأسماك التي تعتمد على أكل الثمار يعيق نمو النباتات وتجديدها.
الأنواع آكلة الثمار تكون مسئولة عن تشتيت وتوزيع 95٪ من النباتات الاستوائية وتستهلك الأسماك الكبيرة أنواعًا كثيرة من البذور، مما يعزز من الإنبات. عندما تكون الثمار لحمية ، أو منقوعة في الماء ، تزداد نسبة عدم تلف البذور عند تناولها. أيضا من العوامل المساعدة هو كبر حجم فم الكائنات التى تتناول تلك الثمار لأنه بمجرد كسر البذور ينخفض احتمال الإنبات نظراً لتحطم جنين البذرة.
شاهد هذا الفيديو
تقول كوريا "إن هناك ما لا يقل عن 150 نوعاً من الأسماك التى تتغذى على الثمار تقطن الأراضي الرطبة في أمريكا الجنوبية". يتزامن ظهور ثمار الفاكهة مع موسم الفيضان السنوي، عندما تستهلك الأسماك ما يصل إلى 87 % من وقتها في السهول الفيضية. وعندما تنحسر المياه ، تنبت هذه البذور المخصبة بسهولة. تحتفظ القناة الهضمية الطويلة بالبذور لفترات طويلة، مما يسمح بتوزيعها عبر مسافات طويلة قد تصل إلى خمسة كيلو مترات.
وأضافت "لقد تم توثيق استهلاك الفاكهة من الأسماك في جميع أنحاء العالم". في أمريكا الجنوبية ، حيث تمتد الأراضي الرطبة لأكثر من 15 % من الكتلة الأرضية بأكملها، تم توثيق هذه العلاقة بين الغابات والأشجار لأول مرة في أواخر السبعينيات.
أحد الأنواع الرئيسية هو الباكو Piaractus mesopotamicus ، وهى سمكة ذات زعانف شعاعية يمكن أن يصل وزنها 40 رطلاً. وبواسطة فمها الواسع (والأسنان الشبيهة بالإنسان) تقوم الباكو بتوزيع بذور 27% من الأنواع النباتية أكثر من الأسماك الصغيرة. لكنها أيضًا شهيّة الطعم ومفضلة وعندما يتم صيد الأسماك الكبيرة مثل الباكو، سينخفض كمية وتنوع الحياة النباتية بشكل كبير.
ويؤكد دانييل ويني، كبير علماء الأحياء في مرصد باي بيرد الذي كان قد درس في السابق انتشار البذور: "يمكن أن يكون لفقدان هذه الكائنات المشتتة للبذور عواقب أكبر من التراجع في عدد قليل من أنواع الأشجار". وبالتالى أكبر نتيجة تحدث هى عدم وجود نمو جديد للغابات.
تستمر الفيضانات فى الأمازون من أربعة إلى سبعة أشهر في السنة بارتفاع المياه إلى 30 قدم. وقد شتتت الأسماك تاريخياً ما يصل إلى 90 % من الغابات التي غمرتها الفيضانات، وما يثير قلق كوريا هو أنه مع إنشاء السدود ومزارع الماشية والتنمية أصبحت الأسماك تشتت فقط 30 – 40% من السهول الفيضية.
من الصعب فرض اللوائح في منطقة الأمازون ، لأنها منطقة تقع على حدود ثمانية دول. عندما لا تصبح الأسماك كبيرة الحجم، لا تنمو الغابة أيضًا. تقول كوريّا "عندما يتوسع المزارعون وتنتهي السدود بالفيضانات الدورية ، يتم إغلاق الأسماك وتبدأ الأشجار في الموت بدون وجود وسيلة طبيعية للتجديد حيث يتزامن إثمار عشرات الأنواع من النباتات مع موسم الفيضانات.
المصدر:- إضغط هنا