سفوح الجبال القاحلة بالمغرب تحتضن بذور النباتات المندثرة
زراعة شتلات الخزامى (اللافندر) البرية في مشتل على قمم جبال أطلس بالمغرب. الخزامى له صفات طبية وعطرية تجعل للنبات شعبية فى الاستخدام المنزلي أو للبيع في السوق.
على مرمى البصر من مركز المؤتمرات في مراكش بالمغرب، حيث يجتمع المفاوضين من جميع أنحاء العالم لمناقشة أحدث مفاوضات بالامم المتحدة للمناخ، تتواجد قمم قاسية من جبال الأطلس الكبير، حيث الأعداد المتزايدة من موجات الجفاف والفيضانات تعتبر من التهديدات التي تواجه النباتات الأصلية التي تدعم سبل العيش والرفاه لشعب (البربر) المجتمعات الأصلية الأمازيغية.
وادي آيت بوجميز بالقرب من مدينة أزيلال في المغرب على مرتفعات جبال الأطلس
الجبال التي تقع في بؤرة التنوع البيولوجي بحوض البحر الأبيض المتوسط، تعج بالآلاف من الأنواع النباتية، والمئات منها مستوطنة، أو توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض. تعتمد المجتمعات النائية في المنطقة إلى حد كبير على الاكتفاء الذاتي من هذه النباتات، وذلك لبيعها وللحصول على القوت واستخدامها كأدوية لمكافحة الامراض المزمنة مثل آلام المعدة، وآلام المفاصل والانفلونزا. ولكن الإفراط والرعي الجائر للماشية، جنبا إلى جنب مع تفاقم حدوث الجفاف والفيضانات كان لها أثر سلبي خطير على هذا النظام البيئي الهش. وعلى الرغم من أن السكان المحليين يعرفون أن بعض النباتات مهددة، إلا أن حاجتهم لدعم أسرهم لا يعطي لهم خيارات كثيرة لعدم حصادها ودعم أسرهم ومعيشتهم.
وإدراكا لهذا التحدي، اختارت المؤسسة العالمية للتنوع كل من إمجدالى وآيت محمد كمنطقتين ممثلتين لهذه المجتمعات، لهذا المشروع الرائد. هدف المؤسسة تحسين سبل العيش المحلية وفى نفس الوقت تقليل الضغط على أنواع النباتات الطبية المستوطنة.
تمثل إمجدالى وآيت امحمد تماماً المجتمعات الأخرى في المنطقة، كما يقول الدكتور محمد أبو فراس، المدير العام بشركة Resing لهندسة المياه والبيئة، التي انضمت لمؤسسة التنوع العالمي لتنفيذ المشروع "نحن نحاول تطوير أفضل الممارسات التي يمكن تعميمها على المجتمعات الأخرى".
أولا، أجرت المنظمة دراسة أولية عن النباتات الطبية المستوطنة التى تستهلك، كقاعدة أساسية لتقييم أثر الأنشطة الأخرى للمشروع. وتشير النتائج إلى أن حوالي 80 % من الأنواع المستوطنة المتواجدة في جميع أنحاء إمجدالى مهددة بالانقراض.
باحثون من المجتمع المحلي والدكتور حسن رانكو يزرعون الأنواع العطرية لزيادة أعداد النباتات المحلية في جبال الأطلس الكبير المغرب
أكد أبو فراس على أهمية إشراك المجتمع في وقت مبكر. "عادة في تلك المناطق، يستريب المزارعين بشكل كبير جداً 'من هؤلاء الغرباء والهدف من تواجدهم فى أراضيهم. لذلك إذا إستطعنا حملهم على المشاركة في هذه العملية، وأخذ الوقت الكافى لشرح الهدف من التواجد، فإننا نكون قد نجحنا فى بناء علاقة تقوم على الثقة ومن ثم يمكن الحصول على دعمهم".
من خلال هذا المشروع، أنشأت المؤسسة العالمية التنوع البيولوجى مشاتل محلية لتجميع والحفاظ على الأنواع المستوطنة (بما في ذلك الكاموميل الإسبانى Anacyclus pyrethrum المهدد بالانقراض) جنبا إلى جنب مع الأنواع الاقتصادية (مثل الجوز واللوز) والنباتات الطبية والعطرية المستوطنة مثل الزعتر واللافندر والنعناع الجبلى، والتي أيضاً توفر قيمة ثقافية واقتصادية مهمة. ويمكن لأعضاء المجتمع الآن جمع النباتات من المشاتل وحصادها لتلبية احتياجاتهم الخاصة.
من خلال بناء أحواض مائية جديدة، وإصلاح القنوات المائية التقليدية يطلق عليها "تارجا" وإنشاء شبكات الري بالتنقيط للحقول والبساتين الزراعية المختارة، يمكن للمشروع ري المزيد من الأراضي وتمديد موسم الري من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. فائدة إضافية أخرى، ألا وهى أن خط الأنابيب الجديد الذى يجلب مياه الينابيع لري المشاتل يعمل على تحسين مياه الشرب لنحو 50 عائلة فى المنطقة.
الباحث المحلى حميد آيت باسكاد يروي الشتلات في المشتل الذى أنشأته المؤسسة العالمية للتنوع البيولوجي من أجل تحسين سبل العيش المحلية.
هذا التحول لزيادة كفاءة استخدام المياه لتلبية الاحتياجات المحلية والزراعية يترك ما يكفي من المياه في باطن الأرض لتغذية الغطاء النباتي بشكل صحي في المنطقة. كما يتوقع أن تغير المناخ سوف يحد من زيادة وفرة المياه في الأطلس الكبير، سيكون من الضروري تعظيم كفاءة استخدام المياه إذا قررت العائلات أن تستمر فى العيش على سفوح الجبال.
هناك تحد آخر يواجه هذه المجتمعات هو انخفاض أسعار المحاصيل التي كثيرا ما تواجههم. من أجل تغيير ذلك، فإن المجتمعات نظمت تعاونيات تسمح للقرويين بتوحيد جهودهم، وتحسين منتجاتهم وزيادة أسعارها من خلال بعض الوسائل مثل زراعة نباتات ذات جودة أعلى وتعبئة وتغليف المنتجات في الموقع، والحصول على شهادة معتمدة للزراعة العضوية أو الحصاد على نحو مستدام والبيع مباشرة لتجار الجملة. ويقول أبو فراس"أدرك السكان أن تجمعهم وتوحيد أنشطتهم، يمكن أن يمنحهم القوة والزخم وفعل الأشياء التي لا يمكن القيام بها بشكل فردي، مثل التعبئة والتغليف والتسويق الجماعى".
الدكتورة زهرة صاروخ تشرف على القسم الاجتماعي- الاقتصادي بشركة Resing وهى تقيم دور المرأة في إمجدالى وآيت محمد. وتقول الدكتورة صاروخ "تشارك المرأة في نظام الإنتاج وهى ليست مجرد ربة منزل، ولكن عضو فاعل في النشاط الاقتصادي للمجتمع. ومع ذلك، فهى لا تستفيد من الخدمات مثل التعليم ولكن عندما تمنح فرصة لتعلم أشياء جديدة يمكن للمرأة أن تبتكر وتكون مثمرة للغاية ويمكن أن تصل إلى مرحلة بحيث تكون مكتفية ذاتياً ".
أكدت صاروخ على أهمية الاستماع إلى النساء في المجتمعات المحلية عند التخطيط لأنشطة المشروع. "ويمكن أن تأتي بأفكار غالبا ما تكون أفضل لأنهن يعرفن ما يتحدثون عنه. والظروف التى يعشن فيها ". على سبيل المثال، تعاونية "أسكا" النسائية في آيت محمد يصنعن ويبعن الحرف اليدوية. تعاونية أخرى في مكان قريب "تاجاديرت نوبور" تجهز وتبيع "السليلو المغربى"، وهو دقيق حلوى مصنوع من العديد من المكونات التي تحصد محلياً، بما في ذلك الشعير والنباتات الطبية.
قربيون الراتنج Euphorbia resinifera ، وهو نبات متوطن سفوح جبال الأطلس في المغرب ، وله استخدامات طبية ونبات زينة
تم انتهاء المشروع في نهاية عام 2016، ولكن يأمل أبو فراس وصاروخ في الحصول على تمويل إضافي لمواصلة عملهم في إمجدالى وآيت محمد، مع التركيز على تحسين مياه الشرب والصرف الصحي.
المصدر: إضغط هنا