السندات الخضراء : السلاح المالي لمكافحة تغير المناخ
منذ اتفقنا على أن تغير المناخ هو تهديد عالمي، فإن الحاجة أصبحت ماسة لمعالجة هذه المأساة القابعة فى الآفق باستخدام أداة مالية يمكنها أن تعمل ذلك على نحو فعال وفي الوقت المناسب. في حين إتفق العالم على أن انبعاثات الكربون تسبب ضرراً لايمكن إصلاحه لكوكبنا، والحاجة إلى حل محفز أصبح وشيك الحدوث. الحل لدينا في توفير البدائل المالية بأسعار جذابة يمكن أن تسمح للناس بالاستثمار في مستقبلهم، دون أن يشعروا بأنهم فقدوا أموالهم. بأخذ ذلك في الاعتبار، بزغت "الأبطال الخضراء" من المجتمع المالي كفكرة مبتكرة يمكن أن تغير أخيراً الطريقة التي ننجز بها أعمالنا بالإضافة إلى دمج مشكلة تغير المناخ في اقتصادنا المعولم. هذه الأداة المبتكرة هي ما يعرف باسم السندات الخضراء. فى البداية، لماذا نحن بحاجة إلى السندات الخضراء؟
الفجوة في تمويل المناخ
وقد أظهرت الدراسات، في حين أن تغير المناخ سوف يؤثر على الجميع، وأفقر الناس من أقل البلدان نموا سوف يتحملون العبء الأكبر منها. ومن أجل التصدي لهذا الظلم الخطير، وافقت الدول المتقدمة في العالم لحشد 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020، من مصادر عامة وخاصة، لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار تغير المناخ، وكذلك الحد من انبعاثاتها.
أظهر تقرير صادر عن مبادرة سياسة المناخ أن من 331 مليار دولار تم تخصيصها كتمويل للمناخ والمقدرة في عام 2013، تم نقل فقط 34 مليار دولار من قبل البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية من أجل التكيف والتخفيف من أثار المناخ، وأحدثت فجوة سنوية تبلغ حوالي 70 مليار دولار. إغلاق هذه الفجوة هو خطوة هامة إذا كان العالم جاداً فى العمل من أجل الحد من الانبعاثات في الوقت المناسب.
بالإضافة إلى ذلك، حتى الحكومات في البلدان المتقدمة ليست بمنأى عن المعوقات من قيود الميزانية وأحياناً تطلب من القطاع الخاص توفير رأس المال للمشاريع العامة. يمكن للمرء أن يقول أن القطاع الخاص في كل من البلدان النامية والمتقدمة، يلعب دورا محورياً في تمويل هذه المرحلة الانتقالية فحسب، بل أيضاً يغير الواقع الاجتماعي لقضية تغير المناخ.
كيف يمكن أن تساعد السندات الخضراء ؟
منذ زمن الثورة الصناعية، والسندات كانت دائماً الوسيلة المفضلة للقطاعين العام والخاص لتمويل المشاريع الضخمة والبنية التحتية على المدى الطويل والتي تحتاج إلى رؤوس الأموال مقدماً. السند الأخضر يضع رؤية جديدة تلتف حول مفهوم السندات التقليدية. يبدو أن توفير رؤوس أموال مستقرة وطويلة الأمد، ذات مزايا مالية (فوائدها مطابقة لأسعار فائدة السندات التقليدية) تضيف مردودات اجتماعية وبيئية تعود على المستثمرين.
توفر السندات الخضراء للدول والمستثمرين القدرة على الاستثمار في مشاريع كثيفة رأس المال والتي تستهدف تحديداً تكيف فى تغير المناخ. ويمكن إصدارها من قبل كل من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المصارف (من البنك الدولي لبنوك القطاع الخاص مثل بنكYes الهندى)، والمؤسسات الاستثمارية (مثل صناديق المعاشات وشركات التأمين) والبلديات (واشنطن العاصمة ومدينة جوتنبرج)، والجامعات (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة سينسيناتي) والشركات (شركة يونيليفر، تويوتا وأبل). من المهم مشاركة مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في القطاع العام والخاص لان البنية التحتية هي حاجة مشتركة تمتد عبر مختلف القطاعات والبلدان.
من أجل الوصول إلى تحولات مناخية مرنة وتحقيق مناخ عالمى منخفض الكربون، يلزم سد الفجوة التمويلية الهامة والعاجلة التى تكمن في احتياجات البنية التحتية. تظهر آثار تغير المناخ تحديات هائلة حالية ومستقبلية على البنية التحتية فى كل من البلدان المتقدمة والنامية. الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا ودول منظمات التعاون والتنمية الأخرى لديها احتياجات ضخمة لتطوير البنية التحتية. من ناحية أخرى، الاقتصادات الناشئة مثل الهند والصين تحتاج إلى إنشاء بنية تحتية هائلة من الصفر حتى يمكن أن تلبي احتياجات ما يقرب من 85٪ من سكان العالم.
وعلى الرغم من الحاجة الملحة لبناء البنية التحتية منخفضة الكربون، فقد إقتصر تمويل مشاريع البنية التحتية العادية على مايقدر بـ 1 تريلليون دولار سنوياً. وبالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات أن 7-13٪ فقط من مشاريع البنية التحتية الحالية تكون منخفضة الكربون ومصممة للتعامل مع آثار تغير المناخ. الآن هناك حقيقة معلومة بأن الظواهر المناخية المتطرفة سوف تصبح أكثر تكراراً. والسؤال هو ما إذا كان العالم مستعد لمواجهة الأعاصير الخطيرة مثل إعصار ماثيو والجفاف مثل تلك الموجودة في سوريا أو حرائق الغابات المستعرة مثل تلك تدمير فورت ماكموري.
مع تغير المناخ الذي يبدو ظاهراً في الأفق، فإن البنية التحتية للمدن يجب أن تكون قادرة على تحمل الطقس السيئ والمتكرر على أساس طويل الأجل. هذا الأمر لن يكون ممكناً من دون قدرتنا على التأثير فى تغير المناخ من خلال التخطيط والتمويل وبناء وتطوير البنية التحتية. السندات الخضراء التي تمول البنية التحتية مصممة لتحمل الفئة 5 من الأعاصير أو لإنشاء نظم النقل منخفض الكربون والتى ستكون مفيدة في تقييد إنبعاث غازات الاحتباس الحراري لعدة عقود قادمة.
من الذي يجب ان يدير عالم السندات الأخضر؟
كما تواجه الدول المتقدمة احتياجاتها، الموارد المخصصة للمساعدات التنموية أو المالية كثيرا ما يمكن حجبها ببعض المشاكل مثل عدم وجود الدعم السياسي وجماعات الضغط المحلية والقيود الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على العالم النامى (مثل تنامي المخاوف من الهجرة والنزوح البيئي وخطر الإرهاب)، تضيف على السياسيين ضغوط للحد من توجيه ضرائب دافعى الأموال في المشاريع الخارجية. يحتاج كل بلد في مواجهة هذه المشاكل والمعوقات المتزايدة، إلى الاستفادة من القطاع الخاص من أجل الأموال المخصصة للمناخ التي من شأنها أن تساعد في سد هذه الفجوة.
وفي الآونة الأخيرة، أصبح مصطلح "تغير المناخ" هى الكلمة الطنانة في مجتمع الاستثمار وبدأت خلق اتجاه للاستثمار المسؤول اجتماعياً من المجتمع المالي السائد (مثل صناديق التقاعد والمؤسسات الاستثمارية الأخرى). توفر السندات الخضراء للمستثمرين فرصة لتكون مسؤولة وواعية اجتماعياً في توجيه رؤوس أموالهم في المشاريع التي لها عائدات مالية جيدة.
من ناحية أخرى، تغير المناخ هو قضية عالمية ومحلية؛ لا يمكن استبعادها أو تجاهلها. وبينما يمكن للقطاع الخاص توفير المال اللازم لحلها، إلا أن التنظيم والإشراف على ما ينبغي القيام به لايتم إلا من قبل القطاع العام. هذا أمر مهم لأن المساءلة الأولية والشرعية التي تقدمها الحكومات (أو غيرها من الجهات الفاعلة العامة) ستكون عاملاً حاسماً في تحول الاقتصاد القائم على الكربون إلى إقتصاد أخضر.
يتألف القطاع العام، من الحكومات أو الجهات الإنمائية متعددة الجنسيات (مثل البنك الدولي)، التى تضع الرؤى طويلة المدى التى لاتطرحها الشركات الخاصة أو المستثمرين. تخيل لو كنت تختار بين القطاع الخاص والسندات المدعومة من الحكومة. من المرجح أن تختار هذه الأخيرة المدعومة من الحكومة، لأنها توفر الشعور بالأمن والاستقرار في استثماراتها. وبالمثل، إذا كانت السندات الخضراء بدعم من الحكومة أو بضمانها، بالتأكيد سوف يكون الخيار الرئيسي للمستثمرين الذين يبحثون لاستثمار أموالهم بشكل آمن.
السندات تقدم استحقاقات طويلة الأجل، مما يجعلها فرصة استثمارية جذابة بالنسبة للكثيرين الذين يخافون من المخاطرة. ومع ذلك، هناك الاكتتاب في سوق السندات الخضراء الحالية والتى تعنى أن الطلب يفوق بكثير العرض. يظهر الاكتتاب أن هناك شهية كبيرة من المستثمرين ولكن ليس بما يكفي من المشاريع للحفاظ على هذه الشهية. هنا هو المكان الذي يمكن للقطاعين الخاص والعام أن يعملا معا لنمو أسواق صغيرة يمكن أن تحول في نهاية المطاف الاقتصاد إلى نظام مالي متطور على نحو مستدام كما نتمنى له أن تكون.
وبالنظر إلى أن العالم هو بالفعل على تجاوز عتبة 1.5م° هذا العام، يصبح من الضروري تحويل الاقتصاديات لاستيعاب تغير المناخ وآثاره الهامة. توفر السندات الخضراء وسيلة للقيام بذلك، ويجب علينا دفع "المستثمر الأخضر المحلى" للحيلولة دون تجاوز مستوى 2 م° الذى يمثل خطراً داهماَ. لذلك، هل الاستثمار في السندات الخضراء يعتبر استثماراً مسؤولاً في المستقبل؟ الجواب بالنسبة لنا ولجيل الألفية القادمة هي.. نعم.