غرق الإسكندرية الطبعة الأولي من غرق الدلتا المصرية
الدكتور خالد غانم أستاذ الزراعة العضوية والبيئة بجامعة الأزهر , رئيس مجلس أمناء ومؤسس منظمة " وطن أخضر " العاملة في تنمية الزراعة والغذاء والبيئة.
من أثار تغير المناخ حدوث تطرف كبير في الظواهر الطبيعية كالفيضانات والعواصف والأعاصير , وتزايد موجات الجفاف ,وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة , وتذبذب كبير في معدلات سقوط الأمطار .
ولعل ما تعرضت له مصر هذا الصيف من ارتفاع لم تشهده من سنوات طويلة , وسقوط كميات هائلة من الأمطار علي العديد من المناطق الشمالية المصرية وخاصة الإسكندرية ومطروح والتي أدت إلي غرق أجزاء كثيرة من هذه المناطق , وإصابتها بالشلل التام فضلا عن سقوط العديد من الضحايا , كما حدث بالإسكندرية , يدفعنا إلي الإنتباة لما يمكن أن يحدث مستقبلا كنتيجة للتغيرات المناخية , وما الذي يتوجب فعلة من الآن وليس الانتظار لحين حدوث الكارثة والتعامل معها .
قبل سنوات وفي العام 2007 توقع تقرير لمعهد مراقبة العالم Worldwatch Institute" 2007" أن ارتفاع مستويات البحار نتيجة التغيرات المناخية ، يهدد بحلول العام 2015 حوالي 33 مدينة حول العالم ذات معدلات سكانية تصل إلى 8 مليون نسمة، على الأقل، من بينها 21 مدينة هي الأكثر عرضة لخطر ارتفاع سطح البحر. و من تلك المدن الإسكندرية في مصر.
وعن الحالة المصرية أوضحت تقارير علمية أخري وصورة فضائية قام بها العالم المصري فاروق الباز مع معهد بوسطن ووكالة ناسا الأمريكية أن أهم المناطق التي يهددها ارتفاع مستوي البحر الظهير الداخلي لمدينة الإسكندرية (بحيرة مريوط والأجزاء الغربية من محافظة البحيرة)، علما بأن هذه الأراضي تقع دون سطح البحر، ومنطقة شمال الدلتا (بحيرة المنزلة وبحيرة البرلس وتخومها الجنوبية) ،مما يعني أن المنطقة الساحلية في دلتا مصر بالغة الحساسية تجاه تأثيرات تغير المناخ بالشكل الذي يجعلها مهيأة لاستقبال عصر الطوفان العالمي.
كما ستختفي تماما مدينة رأس البر وستأكلها الأمواج بعد امتناع وصول الطمي الذي كان يشكل حاجزا طينيًا أمام الشواطئ المصرية يقدر الخبراء المدة اللازمة لاختفاء منطقة رأس البر حوالي 25 سنة ما لم تتخذ الإجراءات التي تمنع أو تعطل ذلك .
من جهة أخري قال تقرير للمنتدى العربي للبيئة والتنمية( أفد )وهو منظمة إقليمية تتخذ من بيروت مقرا لها أن ارتفاع مستويات البحار متراً واحدا سيوثر علي 6% من ناتج مصر المحلي الإجمالي , ترتفع النسبة إلي إلى أكثر من 12% عندما ترتفع مستويات البحار 3 أمتار.
وأن أكثر من 12 % من الأرض الزراعية الخصبة في دلتا النيل هي في خطر من ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وتزداد هذه النسبة دراماتيكياً إلى 25 % (مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار)، وحتى إلى 35 % تقريباً (في أقصى سيناريو لارتفاع مستويات البحار البالغ 5 أمتار.
ومن المتوقع نتيجة لذلك نزوح أعداد كبيرة من سكان الدلتا إلى مناطق أخرى بمصر مما سيخلق مشكلة "اللاجئين البيئيين"، ويتوقع أن يكون عدد النازحين نحو ثلث سكان الدلتا.
الدكتور عمار شيخاني من مجموعة البنك الدولي ذكر في مقال بعنوان " ثلاث مدن عربية يهددها تغير المناخ الإسكندرية وتونس والدار البيضـاء " نشرتة مجلة البيئة والتنمية في يوليو 2011 أن دراسة للبنك الدول بعنوان «التكيف مع تغير المناخ والاستعداد للكوارث الطبيعية في المدن الساحلية في شمال أفريقيا» أجريت بين يونيو 2009 & يونيو 2011 أظهرت أن ثلاث مدن كبرى في شمال أفريقيا، هي الإسكندرية وتونس والدار البيضاء (كازابلانكا)، خسائر تتعدى بليون دولار لكل منها خلال العقدين المقبلين.
شيخاني أوضح أن الدراسة أشارت إلي زيادة سكانية بنسبة 65 % بحلول سنة 2030، من 4,1 الى 6,8 مليون نسمة، ما يزيد الكثافة السكانية في مناطق منخفضة معرضة أصلاً لأخطار تغير المناخ. ومع احتشاد المزيد من الناس في أبنية متهالكة في الأجزاء القديمة من المدينة، يتوقع تمدد المستوطنات العشوائية التي تؤوي حالياً ثلث سكان المدينة. وينتظر إقامة المزيد من المستوطنات في الأراضي الرطبة المجاورة وفي مناطق منخفضة معرضة أخرى. في هذه الأثناء، تزداد أخطار الانحرافات الساحلية والفيضانات بشكل ملحوظ خلال العقدين المقبلين.
وتري دراسة البنك الدولي ضرورة أن تعتمد الإسكندرية خطة مدنية إستراتيجية، من شأنها توجيه النمو الحضري في المستقبل وتبيان حدود المدن ووضع خطة لاستعمالات الأراضي.
ويجب أن تحدد الخطة قواعد للاكتظاظ وارتفاعات الأبنية والمساحات المفتوحة، وأن تعكس تقييمات محددة للمواقع من حيث تعرض الإسكندرية لأخطار الكوارث الطبيعية وتأثيرات تغير المناخ.
في النهاية مشكلة التغيرات المناخية لم تعد قريبة منا فقط بل صارت تلعب علي داخل أرضنا وتهددنا بشكل مباشر , وتحتاج إلي حلول فاعلة وعاجلة وكلها معروفة وحددها الخبراء مرارا , وحتي لا يكون غرق الإسكندرية الطبعة الأولي من غرق الدلتا المصرية.....
ننتظر ونأمل ألا يكون الانتظار طويلا فإيقاع التغيرات المناخية سريع للغاية .