الكربون المحتجز فى الغابات
لقد زاد حجم مخازن الكربون في غابات العالم بشكل ترافق مع زيادة كميات ثاني أكسيد الكربون (انظر: «المخزن الأرضي العالمي»)، إذ تقوم النشاطات الصناعية والزراعية وحرق الوقود الأحفوري بإطلاق مركبات النيتروجين، التي تقوم بتخصيب الغابات على بعد مئات الكيلومترات، ويتناسب معدل تخزين الكربون في الغابات المدارية في أوروبا وأمريكا الشمالية مع تعرُّضها لترسيب النيتروجين. تبدو متغيرات مناخية أخرى ـ مثل درجة الحرارة، ومعدل هَطْل الأمطار، وتغيُّر استراتيجيات إدارة الغابات، كترك الأشجار تنمو لفترات أطول قبل قطعها ـ ذات أهمية ثانوية فيما يتعلق بالميزان العالمي للكربون في الغابات، حتى لو كانت ذات أهمية محلية.
ينقصنا الآن فَهْمٌ كَمِّي حول كيفية إسهام كل هذه المتغيرات في تشكيل مخازن الكربون في الغابات، كما أن التنبؤات حول كيفية تغير هذه العناصر خلال القرن الحالي تظل غامضة. فالتوقعات التي تشير إلى أن ثاني أكسيد الكربون سيحل محل ترسبات النيتروجين، ليكون هو السبب الرئيس في زيادة مخازن الكربون في المناطق المدارية مع تراجع الانبعاثات الصناعية، مثيرة للجدل. وهناك قيود فسيولوجية مفقودة في النماذج المستخدمة، مثل أنْ تعيش الأشجار عدد سنوات أقل، بينما يتسارع نموها، ومثل تراجع إنتاجية التربة في الغابات الناضجة، وكذلك تأثير درجات الحرارة على نمو الأشجار.
نتيجة لذلك.. أصبحت الصورة محيّرة.. إذ تختلف النماذج المتعددة فيما إذا كان توازن الكربون في الغابات بحلول عام 2100 سوف يكون إيجابيًّا، أم سلبيًّا، ناهيك عن كميته. وحتى عندما تستخدم النماذج الافتراضات نفسها ـ مثل عدم حدوث تغيُّر في كمية الانبعاثات الحالية، وغياب إدارة الغابات ـ فإنها تقدم تنبؤات مختلفة بشدة عن بعضها البعض، إذ تقترح النماذج التي تفترض أن زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو ستسهم في زيادة معدل التمثيل الضوئي الذي يمتص ثاني أكسيد الكربون أسرع من إطلاقه عبر التنفس، أن المجال الحيوي قادر على امتصاص حوالي 10 بيتاجرامات في السنة. وهذه الكمية هي خمسة أضعاف مجموع مخازن الكربون الأرضية حاليًا، وتعادل مقدار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات. ويتنبأ آخرون بأنه في حال رجحت كفة التنفس وإطلاق الكربون، سيصبح المجال الحيوي مصدرًا لحوالي 6 بيتاجرامات من الكربون سنويًّا؛ مما يضاعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية، ويحتّم إجراءات لخفض الانبعاثات تتجاوز بكثير ما يُناقَش حاليًا.
ثلاث سُبُل
سوف يؤثر المسار المستقبلي لمخازن الكربون على كيفية إدارة الغابات، بهدف التخفيف من تغير المناخ. وإذا بقيت غابات العالم قادرة على امتصاص إجمالي للكربون، ستكون خيارات المحافظة على الغابات جذابة؛ فتتمكن الغابات الناضجة من امتصاص كميات من الكربون بقدر الغابات الصغيرة النامية. ونظرًا إلى أن تحلل المتبقي من حصاد الغابات وجذورها يضيف فورًا إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولأن تعويض زيادة استخدام الأخشاب سوف يتطلب عقودًا من الزمن، فإن الامتناع عن الحصاد في الغابات سيحقق المزيد من الفوائد المناخية، على المدى القصير كحد أدنى.
يسهم حصاد الغابات في تقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن التحلل العضوي.
على العكس من ذلك.. في حال أصبحت الغابات الناضجة مصدرًا للكربون، يمكن أن تكون الزيادة في حصاد الغابات الوسيلة الأفضل للتخفيف من الانبعاثات. فحصاد الغابات سيقلل من الخسائر الناتجة عن التحلل، بينما يجعل الأخشاب بديلًا للوقود الأحفوري.
وبينما يتم العمل على تطوير تنبؤات رصينة علميًّا حول استمرار وظيفة الغابات كمخزن للكربون، هناك ثلاث سُبُل آمنة يمكن اتباعها.
أولًا، ومن أجل القيام بالمقارنة ما بين الدراسات المختلفة والتصدي لعوامل عدم الدقة الموجودة، على العلماء أن يحددوا افتراضاتهم بشكل أكثر وضوحًا. ويجب على المجتمع المختص بنمذجة ومحاكاة النظام الأرضي أن يعرّف ـ ويبلغ عن ـ معايير مقبولة دوليًّا للأداء، مستندة إلى القدرة على إعادة إنتاج أنساق صادرة عن منظومات بيانات كبيرة تتضمن التفاعلات المطلوبة لفهم تأثير النيتروجين وثاني أكسيد الكربون على مخازن الكربون في الغابات. ولتوفير مجموعات البيانات الكبيرة هذه، يجب دمج احتياجات الاستشعار عن بُعد مع المراقبة المستمرة لمواقع التجارب المحلية، مثل المساحات الدائمة للجرد الوطني لمكونات الغابات، بالإضافة إلى شبكات رصد معينة، مثل «فلكس نت» Fluxnet ـ التي تقوم بتنسيق قياسات تبادل ثاني أكسيد الكربون ـ وكذلك التجارب الخاضعة للضبط، مثل دراسات تعزيز ثاني أكسيد الكربون.
«إدارة الغابات حاليًا مقامرة أكثر من كونها نقاشًا علميًّا».
يجب على مجتمع علماء الغابات أن يوضِّح بدقة السلوك المفترَض للغابات غير المُدارة، التي تقع خارج نطاق تقييمها لسُبُل تخفيف الغابات وتحليلها لدورة حياة المنتجات الخشبية. معظم الدراسات تفترض أن الغابات غير الُمدارة متوازنة كربونيًّا، وهو ما يؤدي إلى المبالغة في تقدير الفوائد المناخية لحصاد الغابات. وتفترض دراسات أخرى أن مخازن الكربون في الغابات الطبيعية سوف تظل مستدامة إلى الأبد، وهذا بدوره يقلل من القيمة المناخية لحصاد الغابات.
ثانيًا، من المهم تشجيع كافة استخدامات الأخشاب ذات الكفاءة الكربونية. حصاد المزيد من الأخشاب يمكن أن يكون سبيلًا جيدًا لتخفيف تغير المناخ، خاصة في حال بدأت مخازن الكربون بالتراجع، ولكن حتى تكون هذه الممارسة فعّالة يجب استهداف الاستخدامات التي تحافظ على أكبر كمية من أطنان ثاني أكسيد الكربون في كل متر مكعب محصود. على سبيل المثال، يمكن للأخشاب أن تحل محل الفولاذ أو الإسمنت في قطاع الإنشاءات، ويمكن أيضًا استعادة هذه الأخشاب، وإعادة تدويرها وحرقها.
ثالثًا، يجب منح الأولوية لتقنيات إدارة الغابات التي تؤدي إلى زيادة كلٍّ من كمية الأخشاب التي يتم إنتاجها، وكميات الكربون المخزنة في الغابات. وفي غياب التعارض مع استخدامات أخرى للغابات، ستسهم الخيارات الآتية في تخفيف تغير المناخ، بِغَضّ النظر عن تطور مخازن الكربون العالمية: استبدال الأشجار الميتة، أو قليلة الإنتاجية، وحماية الشتلات الصغيرة من الضرر بعد الحصاد، وزراعة خليط من الأشجار يتميز بالمرونة، وتحسين استخدام الأسمدة ونمو الأشجار عبر الأنواع المثبّتة للنيتروجين في مشروعات التشجير.
يمكن وصف إدارة الغابات حاليًا بأنها مقامرة أكثر من كونها نقاشًا علميًّا. وباتِّباعنا لسُبُل لا نندم عليها، يمكن أن نستثمر المزيد من الوقت، بينما نتعلم المزيد. ويجب ألّا يعتمد مستقبل الغابات في العالم على المغامرة.