top of page

علامات التشبُّع في مخازن الكربون الاستوائية

لقد نما مخزن الكربون في المحيط الحيوي للأرض خلال الثلاثين عامًا الماضية، مخزِّنًا الكثير من ثاني أكسيد الكربون الناتج من الأنشطة البشرية. وقد رُصدت أولى علامات استقرار هذا النمو في غابات الأمازون.

لارس أو. هيدين

Published, 1 May 2015


تُسدي الغابات الاستوائية البكر خدمة بيئية عالمية المستوى؛ فهي تمتص وتخزن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، أحد الغازات الدفيئة الناتجة من الأنشطة البشرية. وتكافئ كمية الكربون الجديدة المخزَّنة كل عام في تلك الغابات ـ في صورة سيقان أشجار نامية، وأوراق وجذور جديدة، ومزيد من المادة العضوية للتربة ـ بالكاد نصف الكربون الذي يستخلصه الغلاف الحيوي للأرض من الغلاف الجوي (1,2)، لكن هل ستستمر تلك الغابات الاستوائية في تخزين الكربون بلا انقطاع في المستقبل؟ في هذا الصدد، أعلن بيرين وزملاؤه (3)عن أول دليل يثبت أن مخازن الكربون في الغابات الاستوائية ربما تكون قد تشبعت. ويعتمد ما توصلوا إليه على دراسة استثنائية استغرقت 30 عامًا، تناولت دراسة حوالي 189,000 شجرة من 321 غابة منتشرة عبر حوض الأمازون.


وقد لاحظ سفانتي أرهينيوس(4) مبكرًا في عام 1895 أن الدورة العالمية للكربون بين امتصاص النباتات لثاني أكسيد الكربون وتحلُّل المادة العضوية سريعة بشكل كافٍ، بحيث إنه عبر مرور الزمن، لابد للعمليتين أن تتوازنا، عدا تلك الفترات عندما تُطرح فيها كميات الكربون الكبيرة من الدورة البيئية. وقد أظهرت التحاليل (1,5) التي تناولت مخزن الكربون الأرضي العالمي أن دورته البيئية غير متزنة، حيث تمتص النباتات ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بمعدل يزيد كثيرًا عن إعادة إطلاقه للغلاف الجوي.

كما تكشف التحاليل عن نمو مخزن الكربون الأرضي خلال العقود الثلاثة الماضية؛ بسبب استجابة النباتات الإيجابية لزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون المتاح (العنصر الرئيس لعملية البناء الضوئي) في الغلاف الجوي. وكنتيجة لذلك.. فإن الخزان الأرضي للكربون الآن يساوي أو يزيد على خزان المحيط، الذي لم يُظْهِر مؤشرات للتشبع.

هذا.. ولا يوجد اتفاق كامل حول هذه الصورة. فهؤلاء المهتمون بما يعوق نمو النباتات عن طريق الموارد المحددة (كالمُغذيات، أو الماء، أو الحرارة، أو الضوء) قد حذروا من فكرة استمرارية بقاء الخزان الأرضي للكربون غير مفحوص في المستقبل (6). وإضافة إلى ذلك.. فقد أسفر تضمين المعوقات الغذائية في النماذج الأرضية العالمية عن التنبؤ(7) بحدوث انخفاض شديد لامتصاص الكربون مع مرور الوقت، مقارنةً بالنماذج التي لا تحتوي معوقات، لكن عدا تلك المخاوف، فلا يوجد على الصعيد الميداني دليل على تباطؤ معدل نمو مصرف الكربون عبر الغابات الاستوائية، أو المعتدلة، أو الشمالية.

قام بيرين وزملاؤه بقياس حجم ومعدل نمو الأشجار المنفردة في الغابات، ولكل فترة إحصائية في دراستهم، وقاموا بتسجيل الأشجار الميتة والجديدة داخل أجزاء الغابة. وبهذه الطريقة، وثّقوا %30 من تباطؤ امتصاص النباتات للكربون في غابات الأمازون الاستوائية البكر خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى إثباتهم اعتماد هذا الاتجاه على التغيرات في كل من إنتاجية الغابة (معدل امتصاص الكربون لوحدة المساحات، والزمن)، بالإضافة إلى معدل وفيات الأشجار (معدل فقد الكتلة الحيوية للكربون في وحدة المساحات، والزمن). وتُعَدّ المعلومات الديموجرافية للشجرة الواحدة مهمة؛ لأنها تُظْهِر أن النقص في نمو الكتلة الحيوية للغابات يحدث حتى وإنْ زادت إنتاجية الشجرة الواحدة، أو بقيت على حالها. وهذا يشير إلى زيادة الوفيات، وحجم الكتلة الحيوية للغابات، باعتبارها آليات تقريبية تخضع للانخفاض الملحوظ في قوة مخزن الكربون.

يُعتبَر أي إحصاء ميداني معتمِد على مخططات من الغابات عاليَ الحساسية لدرجة معينة من الوضوح، تشير إلى تبادل الكربون، والإنتاجية والوفيات الحادثة بشكل طبيعي في عمر الغابات (8)، ويمكن إساءة تفسيرها كمؤشرات لتباطؤ تخزين الكربون. فنمو الغابات الحديثة يتباطأ طبيعيًّا كلما تقدمت في العمر، بينما تزيد الوفيات مع مرور الوقت. وقد استنتج بيرين وزملاؤه النتيجتين عن طريق تحليل المخططات المُراقَبة على نطاق أحواض الأنهار بالتفصيل، وعن طريق إظهار أنهم لا يعتمدون على عُمْر المخططات في كل مدة إحصائية. ومع ذلك.. لا تبحث الدراسة عن سبب نقص الكتلة الحيوية في نطاق حوض الأمازون. وقد تنتج المؤشرات المرصودة عن زيادة حجم الغابة استجابة للمستويات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون الجوي، لكن الاستجابة تُعَدّ غير منسجمة مع ما هو متوقع، بناءً على فسيولوجيا النبات، ولا يزال التساؤل عن الآلية التي تخضع لها باقيًا. وثمة تفسير أكثر رجحانًا، وهو أن تأثيرًأ واحدًأ أو أكثر من العوامل المعوِّقة ـ مثل توفر المياه، ودرجة الحرارة، والإجهاد، والمواد الغذائية المحدودة ـ شهد ارتفاعًا بزيادة الكتلة الحيوية للغابات. إن امتصاص الكربون حساس للجفاف (9 ) ودرجة الحرارة (10)، لكن توقيت مؤشرات نطاق حوض الأمازون المرصودة في الكتلة الحيوية، ووفيات الأشجار لا تتناسب مع النمط المتوقع من أحداث الجفاف التاريخية (9).


إن معرفتنا محدودة فيما يتعلق بالكيفية التي تؤثر بها مغذيات التربة على نمو ووفاة الأشجار شديدة الضخامة التي تعيش في الغابات الاستوائية البكر (الشكل المرفق)، بما في ذلك ما إذا كان توافر النيتروجين، والفوسفور، أو حتى الموليبِدينُوم يفرض معوقات أساسية، أم لا، لكن التباطؤ المرصود في امتصاص الغابات للكربون يشير إلى قدرة الأشجار المنفردة على مبادلة الكربون المثبت عن طريق البناء الضوئي؛ للوصول إلى مغذيات التربة النادرة (عن طريق عمليات "تحضيرية" تسببها ميكروبات تحلل المادة العضوية (11) للتربة، أو عن طريق علاقات تكافلية بين النبات وفطريات نافعة، أو البكتيريا المثبتة للنيتروجين (12)، التي قد لا تكون كافية للتغلب على معوقات نمو الكتلة الحيوية للغابات.


أشجار الغابات البكر المطيرة، كالتي تقع في محمية تونجكوكو بإندونيسيا (في الصورة)

يمكنها النمو لتصبح غاية في الضخامة.

تثير نتائج بيرين وزملائه الكثير من التساؤلات حول مخزن الكربون الأرضي، وآلياته المستقبلية في النظام الأرضي، الذي يجمع بين الكربون والمناخ. وإذا أصبح مخزن الكربون الاستوائي متشبعًا، فعلى أي مدة زمنية سوف يحدث ذلك، وفي أي المناطق، وتحت أي ظروف طبيعية حيوية؟ إن التحكم في ثاني أكسيد الكربون ـ عنصر التغير المناخي ـ ربما سيصبح صعبًا بشكل جوهري، وسينحسر في المستقبل، إذا كانت النتائج من حوض الأمازون تنطبق بشكل أكبر على مخزن الكربون الأرضي عمومًا.


إننا في حاجة إلى معرفة ما إذا كان امتصاص الكربون في الغابات على مستوى العالم يتباطأ، أم لا، بما في ذلك مخازن الكربون الموجودة في الأقاليم المناخية المعتدلة والشمالية. وربما بشكل جوهري، توجد حاجة ماسة إلى تحليل الآليات والتفاعلات التي تحكم مخزن الكربون الأرضي، والمعوقات التي قد تتسبب في وصوله إلى حد التشبع، فيما نواصل معايرة الغلاف الحيوي بكميات متزايدة من ثاني أكسيد الكربون الجوي.


References

  1. Ballantyne, A. P., Alden, C. B., Miller, J. B., Tans. P. P. & White, J. W. C. Nature 488, 70–72 (2012).

  2. Pan, Y. et al. Science 333, 988–993 (2011).

  3. Brienen, R. J. W. et al. Nature 519, 344–348 (2015).

  4. Arrhenius, S. Phil. Mag. J. Sci. 41, 237–276 (1896).

  5. Le Quéré, C. et al. Earth Syst. Sci. Data 5, 165–185 (2013).

  6. Hungate, B. A., Dukes, J. S., Shaw, M. R., Luo, Y. & Field, C. B. Science 302, 1512–1513 (2003).

  7. Gerber, S., Hedin, L. O., Keel, S. G., Pacala, S. W. & Shevliakova, E. Geophys. Res. Lett. 40,5218–5222 (2013).

  8. Fisher, J. I., Hurtt, G. C., Thomas, R. Q. & Chambers, J. Q. Ecol. Lett. 11, 554–563 (2008).

  9. Gatti, L. V. et al. Nature 506, 76–80 (2014).

  10. Clark, D. A., Clark, D. B. & Oberbauer, S. F. J. Geophys. Res. Biogeosci. 118, 783–794 (2013).

  11. Lambers, H., Mougel, C., Jaillard, B. & Hinsinger, P. Plant Soil 321, 83–115 (2009).

  12. Batterman, S. A. et al. Nature 502, 224–227 (2013).

bottom of page